ومن سورة ق
  والعرب تمثل كل شدة أزالت عقل صاحبها بالسكر، تقول: مرت بنا من هذه الأمور سكرات بعد سكرات، تريد: شدائدَ حالاتٍ بعد حالات، ومعنى قوله: {بِالْحَقِّ} فهو: بحقائق ما وعد الله. من ذلك قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: ١٨٥، الأنبياء: ٣٥، العنكبوت: ٥٧]، فجاء وعد الله على حقائقه، ونزل بأهله على يقينه وصدقه، {ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩} يقول: ذلك ما كنت منه يا هذا الميت تحيد، ومعنى {تَحِيدُ ١٩} فهو: تفر منه وتكره قربه، ولا تريده نفسه.
  ٢٩٨ - وسألته عن قول الله سبحانه: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ٢١ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢}[ق: ٢١ - ٢٢]؟
  فقال: هذا في يوم القيامة، عند خروج الخلق من قبورهم، ومصيرهم إلى حشرهم، ووقت حسابهم، حينئذ تأتي كل نفس ومعها ما ذكر الله من السائق والشهيد، والسائق والشهيد فهو: الرقيب الذي ذكر الله العتيد، وهما الملكان اللذان قال الله: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ١٧} فهما يشهدان عليه ويسوقانه، {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ}، يقول سبحانه: قد كنت لتكذيبك وقلة نظرك لنفسك، والإعراض عن العمل في الدنيا، بما يخلصك في هذا اليوم في غفلة، والغفلة فهي: من التارك للعمل.