ومن سورة البقرة
  يخبر سبحانه أنه لم يفترض على نبيه ÷ قسر قلوبهم على الهدى، وجبرها حتى تكون مخلصة في أعمالها، كما افترض علىه قسر ألسنتهم على التكلم بالإيمان والنطق به، وكما افترض عليه قسر جوارحهم على ظاهر أعمالهم في أداء فرائضهم كلها، فأخبر الله نبيه أن الذي افترض عليه فيهم أمره بدعائهم وجهادهم، هو الظاهر مما يناله ويقدر عليه منهم، مثل التكلم بالإسلام والقرار به، واستعمال الجوارح في الصلاة والصيام والحج والجهاد، وما أشبه ذلك من ظاهر الأفعال، التي يحقنون بها دمائهم عن القتل، وحُرمهم عن السبي، وأموالهم عن الأخذ، وأنه لم يفترض عليه ولم يكلفه صلاح قلوبهم وإيمانها، ولا علِمَ باطنها وضميرها، واستخراج مكنون غيبهم، يكونون بذلك من فعل نبيه مهتدين حقا، وينتظمهم اسم الإيمان صدقا، فأخبر ﷻ بما ذكر من ذلك وفيه، أن عليه ÷ إصلاح ظاهرهم، والمعاملة منه على ذلك لهم، وأن الله سبحانه معاملهم على باطن ضمائر القلوب، وأن الله سبحانه العالم بما تنطوي عليه قلوبهم من الغيوب، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}[النجم: ٣١].
  ٢٩ - وسئل عن قول الله {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ}[البقرة: ٣٧]؟
  فقال: الكلمات هو كلمات الاستغفار والتوبة والإنابة، ذكرهن آدم بعد المعصية، فطَفَّى بهن ما وجب عليه من غضب ربه، فلما أن تكلم بكلمات التوبة وأظهرهن، صرف الله عنه العقاب، وصار حكمه عند الله حكم من أناب وتاب.