تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الرحمن

صفحة 138 - الجزء 2

  عن ذلك، وعاقب من كان من الخلق كذلك، فعلى هذا المثال، والمجاز من قول الله، جاز أن يقال: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ٦}، وإن كان ما في أنفسهما لعدم استطاعة التخيير لم يسجدا، ولكن لعجيب تدبير الله وصنعه فيهما إذا سجدا عباده المعتبرين واخشعا من كان ذا خشية لرب العالمين.

  وأما قوله: {وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ٧ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ ٨ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ٩}، فإخبار منه بما رفع السماء بلا عمد، ودلالة منه على قدرته لكل أحد، قوله: {وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ٧} فهو: جَعَلَ الميزان ودل عليه، وجعل حكما عدلا بين عبادة لا حيف ولا ظلم فيه، ثم نهاهم عن الظلم فيه، وأمرهم باتباع القسط فيه، والوزن بالحق والإحسان، ونهاهم عن البخس والعدوان.

  ثم قال: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ ١٠ فِيهَا فَاكِهَةٌ}، يقول: دحاها وللأنام مهدها، وأخرج لهم ما ذكر من فاكهتها، تفضلا عليهم بها، وإحسانا منه إليهم فيها، {وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ ١١}، فالأكمام: قشر الطلعة والغلاف الذين يكون فيه الشماريخ قبل إتساق كمامها، {وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ١٢}، والحب: فهو الحنطة والشعير، وغير ذلك مما جعله اللطيف الخبير، والعصف فهو: قصب الحب الأجوف الذي لا حشو فيه، ولا صلابة لديه، وذلك [قولي] الواحد الجليل، فيها خبر من فعله في أصحاب الفيل، حين يقول: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٥}⁣[الفيل: ٥]