تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة المنافقون

صفحة 178 - الجزء 2

  ثم أمر سبحانه بالانفاق في سبيله، فقال: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ١٠}، معنى {وَأَنْفِقُوا} يريد: وأخرجوا وأعطوا في سبيل الله مما رزقناكم، معنى {رَزَقْنَاكُمْ}: أعطيناكم ووهبناكم، وفتحنا من أرزاقنا عليكم، {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ} معناها: من قبل أن يرد على أحدكم الموت، وينزل به، ويأخذه، والموت فهو: الفناء والزوال، {أَحَدَكُمُ} فهو: واحد بعد واحد، {فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} معناه فهو يقول هو يتكلم ويتمنى، ويطلب ويشاء، ومعنى {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي} فهو: يارب لو أخرتني إلى أجل قريب، فأدخل (لا) استحسانا لهما في الكلام وهو لا يريدها وليس لها هنا أصل، وقد تقدم شرح مثل هذا في أول كتابنا، {أَخَّرْتَنِي} يقول أبقيتني، ودفعت الموت عني {إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} يريد: إلى أمد قريب، ووقت دانٍ، تزيدنيه من هذا الوقت الذي نزل بي الموت فيه، فأكون من بعده مؤخرا، ويكون الموت عني مردودا أياما يسيرة، {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ١٠} يقول: أخرج الآن عند تصديقي بما عاينت من صدق وعدك ووعيدك ما كنت ضانا به من مالي، وبخيلا به من موجودي، {فَأَصَّدَّقَ} وأخرج مفروض زكاته، وأنفقه في سبيلك، وأتقرب به إليك، حتى أكون بذلك عندك من الصالحين، وبما فعلت من ذلك من المؤمنين.

  ثم أخبر سبحانه: {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ١١}، ومعنى قوله: {وَلَنْ} هو: إخبار بأنه لا يفعل، وهي في معنى (لا) فأراد لا يؤخر الله نفسا، ومعنى {يُؤَخِّرَ} فهو: يملي بعد الفناء ويعمر، {نَفْسًا} فهو: إنسانا وروحا وشخصا، حتى {إِذَا جَاءَ} ومعنى {إِذَا جَاءَ} فهو حل ودنا وأجلها فهو: موتها وفناء مدتها، التي أجلت لها، وجعلت حية إلى بلوغها،