ومن سورة التغابن
ومن سورة التغابن
  
  قول الله سبحانه {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١}، معنى {يُسَبِّحُ} فهو: يقدس ويعظم، ويجل ويكرم، {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} فهو: كل ما أنشأ وبرأ من الخلق.
  فمن الخلق ما يسبحه ويقدسه، بلسان ناطق ويذكره، وهم أهل الأمر والنهي من الخلق المأمورين بالطاعة، المنهيين عن المعصية، من الملائكة والثقلين، من الجن والانس المذكورين، فهؤلاء لا يسبحون له ويذكرونه بالتقديس والتكبير، والإجلال والتعظيم، وما كان مما في السماوات والأرض من غير المأمورين من الأشياء المخلوقات، والأمور المدبرات، من سآئر ما خلق الله وذرأ، من جميع ما أوجد من الأشياء، من النجوم والشجر، وغيرها من كل ما فطر، فإنما تسبيحه وتقديسه تسبيح من يسبح من أجله، ولعظم ما فيه من صنعة ربه، فإذا رأى المؤمنون أثر صنع الله في هذه الأشياء، سبحوه بما رأوا فيها وقدسوه لعظيم ما رأوا من أثر صنعه في إيجادها، فكان تسبيحهم لما رأوا من أثر الصنع فيها سببا لقول القائل: إنها سبحت، لما كان التسبيح من أجلها وبها، وبما رأوا فيها من أسبابها، كما كان من السجود من الملائكة لآدم # هو سجودهم لله الذي أوجد آدم، فكان سجودهم لله من أجل ما رأوا من أثر صنعه في عبده، وعظم تقديره في خلقه، فجاز أن يقال: سجدوا لآدم، إذ كان السجود من أجل آدم وسببه، ولما أظهر الله سبحانه فيه من قدرته، فعلى ذلك ومثله، جاز أن يقول القائل في قوله: سبح كل شيء لربه من حجر أو مدر، أو نجم أو شجر، وفي هذا المعنا يدخل ما قال الله تبارك وتعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ