تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة التغابن

صفحة 184 - الجزء 2

  مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١}، {الْمُلْكُ}: ما جعل الله وما خلق من السماوات والأرضين، والآخرة والدنيا وما فيهما، {وَلَهُ الْحَمْدُ} معنى قوله: {وَلَهُ الْحَمْدُ} فهو: له الشكر لا لغيره، لأن الشكر الذي هو الحمد، لا يجب إلا للمستحمد إلى خلقه، بنعمه وآلائة، وفضله ونعمائه، وذلك الله رب العالمين.

  قوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١} يخبر سبحانه أنه على ما أراد مقتدر، وله فاعل.

  {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} فأخبر سبحانه بأنه الذي خلق الخلق كافرهم ومؤمنهم، وبرهم وفاجرهم، فكان سبحانه المتولي لخلق جميع الخلق من أهل الباطل والحق، خلق أبدانهم وصورها، وركب خلقهم وقدرها، على ما شاء، ولم يخلق سبحانه أفعالهم ولا كفرهم، ولا إيمانهم ولا صلاحهم ولا ضلالتهم، بل كان من ذلك بريا، وعن إيجاد شيء من أفعالهم متعاليا عليا، فأفعاله باينة عن أفعالهم، كما ذاته غير مشابهة لذاتهم، فأخبر سبحانه بقوله: {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} بأن من خلقه المؤثر لمعاصي ربه، المختار للكفر به، ومنهم مؤثر للإيمان، مطيع للرحمن، فوصفهم بأفعالهم، من كفرهم وإيمانهم، ولم يصف نفسه بخلق شيء من أفعالهم، وكيف يخلق أفعالهم أو يوجد أعمالهم أو أعمالهم؟! المنكرات من الأمور؟! من المظالم والشرور! فتعالى عن ذلك الواحد الرحمن! وتقدس أن يكون كذلك ذو المن والإحسان.

  {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ٢} فأخبر سبحانه أنه بكل ما يعمل العاملون بصير، ومعنى {بَصِيرٌ ٢} فهو: عالم خبير.