تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة التحريم

صفحة 219 - الجزء 2

  العالم بسرائر القلوب، المطلع على مستترات الغيوب، {الْحَكِيمُ ٢} فهو: المتقن لكل ما دبر، المحكم لكل ما قدر، فأخبر تبارك وتعالى أنه جعل لنبيه صلى الله عليه وعلى آله كفارة يمينه، وكفارة اليمين بالله تبارك وتعالى فهو: ما ذكر الله سبحانه من إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، أو صيام ثلاثة أيام لمن يحده، ذلك قوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٨٩}⁣[المائد: ٨٩]، فكفر صلى الله عليه وعلى أهل بيته عن يمينه، ورجع إلى جاريته، ولم يلتفت إلى ما كان من أمر زوجته.

  ثم أخبر سبحانه بما كان أسر إلى بعض أزواجه، فهي: عائشة، وذلك أنه كان ÷ قال لها خبر صاحت وألاحت، وشنعت واشاحت: أسكتي حتى أسرك بشيء أخبرك بأمر، فكان الذي أخبرها به أن قال لها: أن أباك يلي هذا الأمر من بعدي، ثم يليه عمر من بعده، ثم أمرها بكتمان ذلك عليه، لا تخبر به أحدا، فيقال: إنها أخبرت به من ساعتها حفصة ابنة عمر، ثم أنهما دعتا أبويهما فأخبرتاهما بما أخبرها به رسول الله ÷ يقال: إنه عند ذلك كان سبب إعراض رسول الله عن ذكره، فلم يبكتها بشيء من أمره، فهو: الذي قال الله تبارك وتعالي: {وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ}، معنى {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ} فهو: وإذا أخفى سرا، وألقاه إليها، {إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ} فهي: عائشة {حَدِيثًا} فهو: خبرا وسرا، {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ}، معنى {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ}: أظهرته وأخبرت به، ولم تحفظ فيه سره، {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ}، معنى {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} فهو: اطلعه الله عليه، واعلمه بما