ومن سورة الملك
  {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ١٣}، ومعنى {أَسَرُّوا} فهو: اخفوا، {قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} يقول: أو أظهروه، {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ١٣} يريد: عالم بضمير الصدور، وما يستجن فيها، وفي كل الجوانح من الأمور، فأخبر سبحانه بما ذكر من ذلك أنه سواء عنده، وفي علمه ما أسره وأظهره خلقه، وأن علمه بالغيب المتكوم، كعلمه بالظاهر المعلوم، وفي ذلك ما يقول سبحانه: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ١٠}، يقول سبحانه: إنه عالم بكل ما يكون من سر أوعلانية، وإنه لا يخفى عليه من الأمور خافية.
  ثم قال سبحانه: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٤}، يريد بقوله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} أي: كيف لا يعلم سبحانه ما قد خلقه، ويطلع على سر من فطره؟! وهو أعلم به من نفسه! وأعلم بسره وعلانيته! ومعنى {يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} فهو: سر من خلق، {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ١٤} واللطيف فهو: البر بخلقه، المآن عليهم بمرافقه، والخبير فهو: العليم الخابر بكل أمورهم، العارف بكل أسبابهم، الذي لا يغيب عنه شيء من أفعالهم.
  ثم دل سبحانه على نفسه، ونبه الخلق على معرفته، لما فطر من فطره، وجعل من جعائله وصنعه، فقال جل ثناؤه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ١٥}، تفسير {الَّذِي} فهو: دلالة عليه سبحانه دون غيره، {جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} أي: هو سَوَّى لكم، وجعل لكم، {الْأَرْضَ} أي: قَدَّرها ودحاها وسواها، {ذَلُولًا} والذلول فهي: المطية السامحة، التي لا تمتنع مما يفعل بها، ولا تدفع شيئا عن نفسها، فشبه الله ø الأرض في