ومن سورة الملك
  {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ١٧} يقول: ستعرفون كيف كان إنذاري وإعذاري لكم، وتحذيري لما ينزل بكم من بعد نزوله بساحتكم، وحلوله بأهل المعاصي منكم. {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ١٨}، و معنى {لَقَدْ} فهو: إيجاب لما كان منهم، بتكذيب من قبلهم، فمعنى {كَذَّبَ} فهو: جحد واستهزأ، ولم يوقن فيصدق بما جاء من الهدى، {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} فهم الأمم الذين كانت قبل هذه الأمة، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ١٨} يقول: قد رأيتم وأبصرتم كيف كان نكيري عليهم، ومعنى نكيري فهو: تغييري وعقوبتي، ما أحدثه من نقمتي، على ما أجتروا عليه من مخالفتي.
  ثم نبه سبحانه على نفسه بالطير الذي لا تكون إلا منه، ولا يقدر عليها أحد إلا هو، احتجاجا بذلك عليهم، وتأكيدا لحجته فيهم، ثم قال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ}، فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ} معنى {أَوَلَمْ يَرَوْا} فهو: لم ينظروا ويبصروا؟! {إِلَى الطَّيْرِ} الطيارة، ذوات الأجنحة، التي تطير في الهواء، وتصف فوقهم، فهي في الهواء فوق رؤوسهم، و {صَافَّاتٍ} فمعناها: صافات أجنحتهن، وصفها لأجنحتهن فهو: نشرها وتسكنها حتى تهدأ وتسكن، حتى تكون كالشيء المنشور في الهواء، لا يتحرك منها أسفل ولا أعلى، فحينئذ يسمى ما فعل ذلك من الطير: صافا، {وَيَقْبِضْنَ} أي فهو: يضممن أجنحتهن إلى جنوبهن، ويخفقن بها تحريكا في طيرانهنما {مَا يُمْسِكُهُنَّ} أي: ما يلزمهن في الهواء، ويمنعهم إلا هو العلي الأعلى، ومعنا إمساكه إياهن فهو: بما جعل وقدر لهن من الريش الذي جعلهن به طائرات،