تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة الملك

صفحة 246 - الجزء 2

  {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ}، يقول: يمضي على جهل، ومعنى {يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ} يقول: يمضي على جهل من أمره، ويعمل في غير صواب من عمله.

  {أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢٢}، {يَمْشِي سَوِيًّا} معناها: يمضي معتدلا مستويا، {عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢٢} معناها: على طريق مستقيم، أراد سبحانه: التمييز بين من يمشي مكبا على وجهه، ماضيا على الخطأ من فعله مجنبا عن سبل رشده، وبين من كان على هدى من ربه، وسبيل من رشده، لا يخطئ في أمره، ولا يعوج عن سبيل حقه، فأخبر بذلك سبحانه أن من كان من أهل الضلالة والردى، هم كمن يمشي مكبا على وجهه في غير هدى، وأن من كان من أهل التقوي، كالآخر الذي يمشي على الصراط المستقيم والاستواء، وهذا مثل ضربه الله العلي الأعلى، يفرق به بين أهل الضلال والهدى.

  ثم أخبر سبحانه بالدلائل عليه، فقال: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}، معنى {قُلْ}: أخبر وأنذر وكلم وبَيَّن، أن الله هو الذي أنشأكم، ومعنى {أَنْشَأَكُمْ} أي: هو خلقكم وأنبتكم، وفطركم وأوجدكم، {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ} معنى {جَعَلَ} أي: ركب ربكم {لَكُمُ}، أي: فيكم، يقول: خلق لكم السمع الذي به تسمعون وهي الآذان التي بها تسمعون، والأبصار فهي: العيون التي بها تبصرون، والأفئدة فهي: القلوب التي بها تعلقون.

  {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ٢٣} يقول: قليلا شكركم، على ما أوليناكم من ذلك وأعطيناكم.

  {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ}، فأمر سبحانه أن يحتج بذلك عليهم؛ إذ