تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسيرسورة القلم

صفحة 254 - الجزء 2

  سببا لما يسطر ويكتب، ويبيَّن في الصحف من كل ما سبب، فنبه الله سبحانه جميع العالم، على عظيم ما ألهمهم له من تدبير القلم، وعلى عجيب ما ألهم الخلق من أمره، وهداهم إليه من تدبيره، حتى صلح لما جعل له، لأن آيات القلم وفعل الله فيه، وما هدى ودل الخلق منه عليه، فعل عجيب أمره، ولطفٌ ظاهر نوره.

  ألا ترى كيف يسطر به ما لا يستغنى عنه من العلامات والدلالات، والأسرار الخفيات، والأخبار الكافيات، حتى يبلغ بها الحاجات، ويعلم بها الارادات، ويثبت بالقلم في الصحف كل حاجة بعدت أو قربت، تبلغ بعيد البلاد وقريبها، وقاصيها ودانيها، مع ما ينال بالقلم من غير ذلك من تنفيذ حساب العالمين، وما يحفظ به من التداين بين المتادينين، وما يسطر به من كتاب رب العالمين، ويثبت به من أحكام أحكم الحاكمين، ويكون به أثبت علم المتعلمين والعاملين، وبسببه، وما ذكرنا من ألوانه وأسبابه، وحكمه وآياته، ما مثل الله للعباد حفظه لأفعال عباده، صغيرها وكبيرها بما يكتبونه بالقلم في صحفهم، ويثبتونه بالقلم عندهم في كتبهم، فيكون عندهم مذكورا لا ينسى، وثابتا صحيحا أبدا أبدا، فقال سبحانه: {وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ ٥٢}⁣[القمر: ٥٢]، وقال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ٧}⁣[الأنشقاق: ٧]، وقال فيما حكى من محاوره موسى وفرعون حين قال فرعون: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ٥١}⁣[طه: ٥١]، فأجابه في ذلك موسى صلى الله عليه عن العلي الأعلى، فقال: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى ٥٢}⁣[طه: ٥٢]، فمثل له حفظ الله سبحانه لأمرها، وعلمه بصورة شأنها، وما تقدم من فعالها، بما يكون في الكتاب الذي لا ينسى، والذي هو غاية الحفظ عندهم، وأكثر ما به يحفظون