تفسيرسورة القلم
  أسبابهم، فهذا كله من عجائب تدبير الله في القلم، وما هدى إليه فيه من جميع الأمم، وفلذلك أقسم به الرحمن، تنبيها منه لجميع الإنسان، على ما كان منه فيه من المن والإحسان.
  وقوله: {وَمَا يَسْطُرُونَ ١}، فأقسم سبحانه بما يسطرون من القرآن العظيم، الذي يكذبون ويقرون، وقد يمكن أن يكون معنى قوله: {وَمَا يَسْطُرُونَ ١} تنبيها لهم على النعمة، وجليل أثر القدرة، فيما دبره من حروف الهجاء، من الألف واللام والواو والياء، وغير ذلك من الأشياء، وغير ذلك من التسعة والعشرين حرفا، التي جعلت للكتاب كله حكما ومعنى، فنبههم سبحانه على ما هداهم إليه ومنها، وعلمهم إياه من تدبيرها، وتقطيع ما يقطع منها، وتوصيله ما يوصل فيها، حتى تجمع الأحرف في الإسم الواحد المسمى، ويفترق في غيره من الأسماء، فيأتي كل شيء على معناه، ويستوي كل حرف على أصله ومستواه، ففي هذا - لَعَمْرُ من عقل واهتدى - دليل على من إليه هدى، ومبين لقدرة من قدره، وشاهد على حكمة مَن دَبَّرَه.
  فإن يكن أراد سبحانه بقوله: {وَمَا يَسْطُرُونَ ١} أي: ما يقولون ويجعلون، من تلفيق حروف الكتاب، ويؤلفون، ففي أقل من هذا ما أقسم الله به ودل عليه، ونبه أهل الجهل به على معانيه، احتجاجا من المقسم به على الشآك في قدرته، الضآل الفهم عن حكمته.
  وإن يكن سبحانه أراد بقول {وَمَا يَسْطُرُونَ ١}: كتابة الذي يقرأون، الذي ذكره وأقسم به في أول سورة {وَالطُّورِ ١}، حين يقول سبحانه: {وَالطُّورِ ١ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ ٢ فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ ٣}، فهو: الكتاب الذي يسطرون هو