تفسيرسورة القلم
  القرآن الحكيم الذي يقرأون، وكلا الأمرين يخرج في المعنى، ويصح في قلب من كان ذا هدى، وقد أتوهم - والله أعلم - أن الذي أقسم به سبحانه لجليل أمره وعظيم خطره، وما جعل الله من برهانه وأمره، وحجة على خلقه، وحلاله وحرامه، وما تعبد به سبحانه جميع خلقه وعباده، فأقسم سبحانه بالنون والقلم وما يسطرون، من كتاب الله العظيم الذي يكتبونه، وما نبيئه صلى الله عليهعلى آله بنعمة ربه بمجنون، ومعنى قوله: {مَا أَنْتَ}، أي: أنت يا محمد {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} يريد: بكرامة ربك ومدافعته لكل سوء عنك، وربك فهو: خالقك ومالكك، {بِمَجْنُونٍ ٢} يقول: ما أنت بزايغ العقل، ولا مأفون، ولا بمخلط مجنون. {وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ٣}، يقول: لك عند ربك أجرا، والأجر فهو: الثواب والعطاء، على ما صبر عليه من المحن والبلا، {غَيْرَ مَمْنُونٍ ٣} فالممنون هو يقول: غير مستكثر لك ولا ممنون عليك، يعني بالذكر له في يوم الدين والاستكثار له، بل هو قليل لك عندنا، وأن كثر في عينك وعين غيرك، صغير ما أعطيناك عندنا، وإن كان عظيما عندك، هذا معنى {غَيْرَ مَمْنُونٍ ٣}.
  {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤}، فهو: ما جعله الله عليه من الطبع الكريم، والقلب البر الرحيم، والأخلاق الحسنة والطبائع الكريمة، من الصبر والتجمل، والعفو والتحمل، وغير ذلك من الأخلاق التي جعلت فيه، وامتن الله سبحانه بها عليه التي يعجز عن يسيرها غيره، ولا يحمل القليل منها الا مثله.
  والخُلق فهو: ما يتخلق به العباد بينهم، وتَخَلُّقُهُم فهو: فعلهم، وفعل الله في خلق نبيئه صلى الله عليه وعلى آله فهو: عونه وتوفيقه وتسديده. لكل جميل من الأخلاق، فلما أن كان العون في ذلك الواحد الخلاق، جاز أن ينسب إليه على طريق مجاز الكلام في قول القائلين، لا إن شيئا من أفعال رسول الله #