تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسيرسورة القلم

صفحة 257 - الجزء 2

  فعل لرب العالمين، وقوله: {خُلُقٍ عَظِيمٍ ٤} فهو: خلق جليل لا يقدر عليه غيرك، ولا يفعله سواك.

  {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ٥}، معنى {فَسَتُبْصِرُ} يقول: سوف ترا ويرون، صدق ما تُّخبَر به ويُخّبَرون، ونذكر لك ونعدك ونعدهم، ونخوفك وتخوفهم، ونشرح لك من أمر القيامة ونشح لهم، من العذاب والثواب، ألا تسمع كيف يقول: {فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ٥ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ٦}، يقول: فستعلم ويعلمون {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ٦} فهو: المعذب المغبون، ومعنى ستبصر ويبصرون هو: تعلم ويعلمون، والعرب تجعل تبصر في معنى تعلم، وتعلم في معنى تبصر، تقول العرب: فلان بصير بالحلال والحرام، تريد: عالم بهما، فَهِمٌ بأسبابهما، وتقول: بصير بالشعر، بصير بالنحو، تريد بقولها: بصير بهما، أي: عالم بأمرهما، واقف على حدودهما، فأخبر الله سبحانه نبيئه صلى الله عليه وعلى آله أنه سيعلم وأنهم سيعلمون في يوم الدين من يكون من المعذبين.

  ثم قال سبحانه: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ٧}، فأراد سبحانه، وجل جلاله، أنه أعلم بمن ضل عن سبيله، ومعنى {ضَلَّ} فهو: عدل وترك، و {سَبِيلِهِ} فهو: طريقه ودينه، التي جعلها لخلقه دينا وسبيلا، ومتعبدا يعبدونه، ويثبتون عليه، لا يعدلون عن قصده، ولا يميلون عن محجته، ثم أخبر أنه أعلم بالمهتدين، والمهتدون فهم: الثابتون على سبيله، الذي أرتضاه لخلقه.

  ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله عن المخافة في ذاته لوعد المكذبين، فسمى المخافة لهم طاعة لمن خافهم، فقال سبحانه: {فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ٨ وَدُّوا