تفسيرسورة القلم
  ليصر منها في غدهم مصبحين، اقتدارا على صرمها من الصارمين، فلم يستثنوا في قسمهم، فكان ما ذكر الله من أمرهم من ذهاب جنتهم، حين طاف عليها طآئف من ربهم، فهلك ما فيها من ثمرها، فأصبحت خوآء من كل ما كان فيها، فذكر الله سبحانه أن أبا جهل وأصحابه نزل بهم في اقتدارهم على ما كان من جنتهم ومن ثمارهم، فنزل بكفره قريش الفسقة المقتدرين، ما نزل بالاقتدار بأهل الجنة المقسمين.
  ألا تسمع كيف يقول سحبانه: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ١٧ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ١٨}، معنى {بَلَوْنَاهُمْ} أي: اختبرناهم بابتلائهم، لنعلم هل يرجعون عن اقتدارهم، فلم يرجعوا فأخذهم بأسنا بما عصوا، وهؤلاء المبتلون فهم: قريش الكافرون.
  قوله: {كَمَا} فمعناها: مثل، وقوله: {بَلَوْنَاهُمْ} أي: أختبرنا {أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} فهم: أصحاب صاد، وهي الجنة التي أقسم أهلها ليصر منها، {إِذْ أَقْسَمُوا} يقول: إذ حلفوا، {لَيَصْرِمُنَّهَا} يقول: ليقطعن ثمرها، {مُصْبِحِينَ ٢١} فهو: صباحا منورين، {وَلَا يَسْتَثْنُونَ ١٨} يقول: لم يقولوا: إن شاء الله، فيثبتوا بذلك القدرة لله، فلما أن لم يسثنوا في قسمهم، وبغوا في ذلك وطغوا، طاف عليها ما ذكر الله من أمره، حين يقول سبحانه: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ ١٩}، معنى {فَطَافَ عَلَيْهَا} أي: واقعها ونزل بها، {طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ} والطائف فهو: الأمر الذي نزل بها وعمها، وطاف فيها حتى أبادها وأفناها، وتركها كأن لم يكن فيها ثمر ولا خير، {وَهُمْ نَائِمُونَ ١٩} فمعناها: وهم راقدون، أي: في الليل.