تفسيرسورة القلم
  {رَأَوْهَا} أي: عاينوها وأبصروها، وصاروا فيها وأتوها، {قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ ٢٦} أي: لمخطون، ليس هذه ضيعتنا، ولا هي بجنتنا، هذه جنة قد هلكت، وذهب ما فيها وصرمت، وجنتنا غير هذه الجنة، وليس هذه الجنة بتلك الجنة، ثم تعرفوا حدودها، فهموا معالمها، فأيقنوا أنها جنتهم، وعلموا أنها ضيعتهم، فقالوا من بعد ذلك {بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ٢٧} بل هي ضيعتنا، ولكنا محرومون لثمرها، ممنوعون مما كان فيها، قد نزل بها أمر الله فأهلكها، ولم ينزل ذلك من الله إلا عن جرم كان منا، وخطأ كان من فعلنا، فحرمنا ما كان قد أعطاناه، وصرف عنا ما كان قدر رزقناه، فصرنا لذلك محرومين، ومنه بالخطيئة ممنوعين.
  {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ٢٨}، فأخبر أنه قد كان قال لهم عند وقت ما أقسموا: سَبِّحُوا ربكم واذكروا، واثبتوا القدرة له وأستثنوا، فلم يفعلوا في ذلك الوقت ما أمرهم أوسطهم، ولم يحسبوا أنه ينزل بهم ما نزل بهم من عقوبة ربهم، عند ظلمهم وبغيهم، فرجعوا باللوم على أنفسهم، وأبدوا ما كانوا يخفوه من تسبيحهم، خوفا من أن ينزل بهم في أنفسهم، ما هو أشد مما نزل بهم في جنتهم.
  {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ٢٩}، معنى {سُبْحَانَ رَبِّنَا} أي: تعالى ربنا، وتنزه خالقنا، وجل سيدنا عن فعلنا، {إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ٢٩} يقولون: نحن كنا ظالمين لأنفسنا فيما فعلنا، فاقرؤا بذنبهم، وشهدوا على أنفسهم بظلمهم، ثم أقبلوا يتلاومون، ويختصمون ويتعالون، فيما كان من تفريطهم في أمرهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه:
  {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ٣٠}، معنى {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ}: قصد بعضهم بعضا بالتلاوم والعدل، فيما كان من خاطئ الفعل،