تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الحاقة

صفحة 283 - الجزء 2

  الحشر والحساب، وما أخبر به سبحانه من الثواب والعقاب، الذي يكذب به المكذبون، وينكره الكفرة المنكرون.

  ثم أخبر سبحانه باليوم الذي يميز فيه العالمون، ويحشر فيه المبطلون، فقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ١٣ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ١٤}، فمعنى {نُفِخَ فِي الصُّورِ} أي: فهو: جعل فيها، ورد ما يكون به حياتها من أرواحها، التي يردها الله عند بعثها في أبدانها، {نَفْخَةٌ} فمعناها: ردت الأرواح إلى الأبدان، {نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ١٣} أي: ردة واحدة أي: سريعة واجزة، فيرجع الأرواح بقدرة الله إلى الأبدان التي كانت أولا فيها، {وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ} فمعنى حملها فهو: أخذهما، ومعنى أخذهما فهو: نفاذ أمر الله فيهما، وإنفاذ إرادته في دكهما، ودكهما فهو: إذهابهما، ومواقعة الفناء بهما، وزوال أمرهما، وانحلال تجسمهمها، وردهما إلى ما كانتا عليه أولا من قبل خلقهما.

  قوله: {دَكَّةً وَاحِدَةً ١٤} فهو: إخبار من الله ø عن سرعة مضي إرادة الله فيهما، ونفاذ مشيئتة في إذهابهما، وإنما معنى قوله: {وَاحِدَةً ١٤} فهو: إخبار منه سبحانه عن نفاذ قدرته، وسرعة كينونة مراده، فَمَثَّلَ سرعة انقضاء ذلك كله بضرب الإنسان بالشيء الذي يكون في يده على الأرض واحدة، ودكة بالشيء الذي يدكه دكة واحدة، فأخبر سبحانه أن إذهابه للأرضين والسماوات ونفخة في جميع صور الآدميين، ورده لأرواحهم في أبدانهم، في السرعة مثل ضربة الضارب بالشيء الذي يكون في يده على الأرض ضربة واحدة، ليس معها لبث، ولا ضربة ثانية، وذلك اليوم الذي يكون فيه ما ذكر الله، فهو: يوم الحشر والحساب، وملاقات الثواب