تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الحاقة

صفحة 285 - الجزء 2

  والجزآء، ومعنى {ثَمَانِيَةٌ ١٧} فقد يمكن - والله أعلم - أن يكونوا ثمانية ألاف، أو ثمانية أصناف من الملآئكة المقربين، ينفذون أمر رب العالمين في ذلك اليوم، الذي تحمل الملآئكة عرشه فيه، وتكون قائمة به فيه وعليه، فأراد الله سبحانه بقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ} إخبارا منه أن له سبحانه ثمانية أصناف من الملآئكة أو آلاف، يحملون في ذلك اليوم عرشه، وعرشه فهو: ملكه، وحملهم لمكه في ذلك اليوم العظيم، فهو: قيامهم فيه بأمر الرحمن الرحيم، وإنفاذهم لحكمه، ومجازاتهم أمره لخلقه، وإيصال أهل الثواب إلى الثواب، وعتل أهل العقاب وانفاذهم الحكمه إلى العقاب، ومحاسبة المحاسبين، وتوقيف الموقفين، على ما كان من أعمالهم، في مبتدأ ما كان من حياتهم، فهذا من أفعال الثمانية وشبهه، وما يكون من غير ذلك ومثله، فهو: حمل منهم لملكه الذي هو عرشه، فهذا معنى حملها له لا غيره.

  وقد تقول العرب في ذلك، وما كان من الحال كذلك، لوزير الملك العظيم الشأن، ذي القوة والمقدرة والأعوان: حمل وزير فلان عنه الأمر، تريد كفاه إياه وقام به، وأنفذ فيه كل أمره، واحتذا فيه كله مراده وحذوه، وتقول العرب: لا تحمل على نفسك ما لا تطيق، تريد بذلك أي: لا تعمل بما لا تطيق لا أنه شيء يحمله على ظهره، ولا وزر يقله على متنه، وكذلك تقول العرب: حمل فلان رعيته ما لا يطيقون، ليس تريد بذلك: أنه وضع على ظهورهم حملا منه يعجزون وإنما تريد: كلفهم وأمرهم بأمر لا يطيقونه، وألزمهم شيئا لا يستطيعونه، وفي ذلك ما يقول شاعر من العرب:

  حملت أمرا جليلا فاضطلعت به ... وقمت فيه بأمر الله يا رجل