تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الحاقة

صفحة 286 - الجزء 2

  فقال: حُملت، يريد: كُلفت يا رجل، ولم يرد حملت على ظهرك ثقلا يثقلك، ولا وزرا يفدحك، وإنما أراد كلفت أمرا جسيما فاظطلعت به، أي: قمت به وقويت عليه، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}⁣[النحل: ٢٥]، فقال تعالى: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ} أي: ليحملوا ثقل الوزر، وثقل الوزر فهو: الإثم، ويتقلدون وزرهم ووزر غيرهم، بالأمر الذي يأتونه من المعاصي ربهم، وما هم يتقلبون فيه من الجزأة على خالقهم، ولم يرد أنه وزر محمول، ولا شيء ثقيل يوضع على الظهر معمول، فعلى هذا ومثله، وما كان من اللغة على شكله، يخرج حمل الملائكة لعرش ربهم، لا على ما يقول أهل الجهل بربهم، من أنه عرش تحمله الملآئكة مدبر معمول، مَرَبَّعٌ فوق أكتافها محمول، وأن الله سبحانه فوق العرش، تعالى عن ذلك الواحد العلي الكريم! وتقدس عن أن يكون كذلك العزيز العظيم!

  ثم قال سحبانه: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ١٨}، معنى {يَوْمَئِذٍ} فهو: يوم قيام الملآئكة بعرش ربها، وما يكون فيه من قبضها بأمره وبسطها، {تُعْرَضُونَ} فمعناها: يبرزون ويحاسبون، وتعرض عليكم أعمالكم، وتبين لكم أفعالكم، وتوقفون عليها، وتعاينون ما يجب عليكم ولكم فيها، {لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ١٨} يقول: لا يخفى من أعمالكم شيء، ولا يغيب منكم في ذلك اليوم أحد، ومعنى قوله: {خَافِيَةٌ ١٨} يقول فهي: مستترة غائبة، فيقول: إنه لا يخفى من أعمالكم صغير ولا كبير، وإن ما كان مخفى من صغير وكبير، ظاهر عليكم في ذلك اليوم كبيرا كان أو صغيرا.

  {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ}، فالكتاب فهو: الحساب، وما أحصاه عليه ملكاه من جميع الأسباب، فقوله: {أُوتِيَ} فهو: وقف بَيِّن له أمره، وأظهر عليه فيه سره، حتى يعلمه علما حقا، ويعلم أنه لم يحص عليه كاتباه إلا صدقا، ومعنى