تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الحاقة

صفحة 288 - الجزء 2

  في الدنيا لمحاسبة يوم الدين: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١ فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ٢٢ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ٢٣}، معنى قوله: {فَهُوَ} يريد أي: من أوتي كتابه بيمينه فهو في عيشة راضية، والعيشة فهي: المعيشة، والمعيشة فهي: الحياة الرضية، والحياة الرضية فهي: الحياة الهنية، وهي المعيشة الرضية، {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ ٢٢} والجنة فهي: دار الثواب، والعاليه فهي: العظيمة الأمر، الرفيعة القدر، الجليلة الخطر، {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ ٢٣} فالقطوف فهي: الثمار من فواكه الأشجار التي جعلها الله سبحانه معيشة للمؤمنين، ومتفكها للمثابين، ومعنى {دَانِيَةٌ ٢٣} فهي: قريبة من المتناول لها، متهيئة على أحسن حالاتها.

  {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ٢٤}، هذا أمر من الله سبحانه لهم بأكل ما رزقهم، وشرب ما سقاهم، إباحة منه لهم ما تفضل به عليهم، {هَنِيئًا} فمعناها: سليما من كل آفة، لا أذى فيه ولا مخافة، في أكله على أكله، لا يخالف طباع آكله، ولا تخالف إرادة متناوله، {بِمَا أَسْلَفْتُمْ} يقول هو: جزاء لكم على ما قدمتم من العمل في الدنيا، فاستوجبتم هذا جزاء لكم في الآخرة التي تبقى، والأيام الخالية فهي: الأيام الفانية، أيام الدنيا التي انتقضت، وفنيت فمضت.

  ثم رجع سبحانه إلى صفة أهل الشمال، فقال: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ٢٦}، فمعنى {أُوتِيَ كِتَابَهُ} فهو: حُوسبَ ووقف على ما أُحصى عليه من فعله، وعرف منه من عمله، ومعنى {بِشِمَالِهِ} فهو: مثل من الله ø مثله لعباده ضربه لهم بالشمال، العسر والشدة في كل حال، يقول سبحانه: حوسب حسابا شديدا، ووقف توقيف عنيفا، {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥} هذا قول من استحق الوعيد من ربه، عند معاينة جزاء فعله وسعيه، فحينئذ يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥}، ومعنى