تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الحاقة

صفحة 289 - الجزء 2

  {يَا لَيْتَنِي} هو: وددت أني لم أوت كتابية، ومعنى {أُوتَ كِتَابِيَهْ ٢٥} فهو: ألقى سيء عملي، وأعرف ما أحصى علي من فعلي، {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ٢٦} يقول: يا ليتني كنت ميتا على حالتي، وباليا في الأرض فانيا، لا أدري ما الحساب، ولا أرى ما كنت أوعده من العقاب، وأكون ترابا في القبر، ولم أعاين ما عاينت من شدة الأمر، ألا ترى كيف يقول: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ ٢٧}، والقاضية التي تمناها الفاسق في ذلك اليوم، فهي: القاضية التي عرف في الدنيا عند موته، فقضت عليه فأماتته، وإلى القبر صيرته، فيتمنى أن قاضية الموت تنزل به في يوم الدين، فتريحه من العذاب المهين، فيكون في الآخرة التي تبقى، ميتا فانيا كما كان في الدنيا. ثم قال - خزي وردى، وقد خزى لعمري إذ غوى -: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ٢٨}، يقول: لم يغن عني ما كنت أجمع من المال، ومعنى يغني عني فهو: يدفع عني شيئا، مما نالني، فاقر في يوم الدين بأن الذي كان فيه في الدنيا غرور وتزيين، وأنه اليوم قد صار إلى الحق اليقين.

  {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ٢٩}، يقول: ضل عني تجبري في الدنيا وتسلطني، ومعنى ضل عني أي: ذهب فلم ينفعني، وبقيت اليوم خاليا فردا وحدي، ومن سلطان الحجة فردا، يقول: ضلت حجتي إذ لم تكن لي حجة ولا قول يقبل مني في الآخرة، وقد روي وقيل: إن ذلك أبو جهل بن هشام لعنه الله.

  ثم أخبر سبحانه بما يكون من أمره لحمله عرشه فيه، وفي إيصال الوعيد إليه،