تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الحاقة

صفحة 291 - الجزء 2

  وقوله: {وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ٣٤}، يقول: لا يأمر بإطعام المستطعمين من المساكين، بل كان ينهى عن ذلك جميع المطيعين، وقد يخرج معنى ذلك على أنه: لم يكن يحض على أداء الزكاة التي جعلها الله عونا للمساكين، وتقوية على أقامة الدين، فلم يكن يؤديها ولا يحض - لعنة الله - عليها.

  ثم قال سبحانه: {فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ ٣٥}، يريد: أنه ليس له في يوم الدين حميم، ومعناها أي: عندنا في دار آخرتنا حميم، والحميم فهو: ما كان يغتر من البنين، والعصبة والأقربين، فأخبر الله سبحانه أنه كان انقطع عنه في ذلك اليوم الذي كان يغتر به في الدنيا من عشائره وأقربيه، وأهل طاعته وبنيه، ففارقه أصحابه وأعوانه، وضل عنه في ذلك اليوم سلطانه.

  {وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ٣٦ لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ٣٧}، فأخبر أنه لا طعام له في ذلك اليوم ولا معيشة ولا حياة، {إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ ٣٦} والطعام فهو: المأكول، والغسلين فهو: صنف من طعام أهل النار يدعا: الغسلين، وهو شيء يزيد آكله بلاء، وجوعا وشقاء، لا يهنأ آكله ولا ينفع صاحبه، جعله الله سبحانه عذابا لأهل معصيته، ألا تسمع كيف يقول: {لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ٣٧}، فأخبر سبحانه أن أهل الخطاء على أنفسهم، بالمعصية لربهم، يأكلون الغسلين، ويعديون بأكله في يوم الدين.

  ثم أقسم سبحانه عن صدق قول رسوله صلى الله عليه وعلى آله بما جآء به من الرسالة عن ربه، فقال سبحانه وجل عن كل شأن شأنه {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ٣٨ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ٣٩ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ٤٠}، معنى {فَلَا} هو: أفلا أقسم، ومعنى {بِمَا تُبْصِرُونَ ٣٨} يريد: بما تبصرون من الأشياء مما