تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة نوح

صفحة 314 - الجزء 2

  الله المهين، وقوله: {مُبِينٌ ٢} فهو: المظهر لأمره المبين القول، المبين لهم حقيقة ما أنذرهم، الصادق في قوله: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ٣}، معنى {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي: جئتكم نذيرا مبينا لأن تعبدوا الله، فطرح اللام فبقيت أن أعبدوا الله، والعرب تستعمل ذلك تقول: جئتنا أن ترفدنا، تريد لأن ترقدنا، تطرح اللام وهي تريدها، فخرج الكلام كأنه خبر وهو إيجاب. ومعنى {اعْبُدُوا اللَّهَ} هو: أطيعوا الله، وأقيموا ما افترض عليكم من فروضه، وأمركم به من أموره، {وَاتَّقُوهُ} معناها: خافوه ولا تعصوه، وصدقوا وعيده ولا تكذبوه، {وَأَطِيعُونِ ٣} يقول: أطيعوني {يَغْفِرْ لَكُمْ} فطرح الياء، فقامت الياء التي في {يَغْفِرْ} مقامها، ومعنى أطيعوني فهو: أقبلوا قولي، واستنصحوا أمري، ولا تستغيثوني، وتعصوني فيما آمركم به من طاعة ربي، فتمادوا في معاصيه، والفعل بما لا يرضيه، فتهلوكا بذلك وتُدَمَّرُوا.

  ثم قال صلى الله عليه: {مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} يقول: إن أطعتموني فاتبعتم رضي الله، وتركتم معصيته، غفر لكم بذلك من ذنوبكم، ومعنى قوله: {مِنْ ذُنُوبِكُمْ} هو: يغفر لكم من ذنوبكم ما كان مهلكا من كبائرها، ومحققا عليكم الوعيد منها، {وَيُؤَخِّرْكُمْ} يقول: يدفع عنكم العذاب الذي نزل بكم عند معاصيكم، حتى تبلغوا الأجل الذي سماه لكم، وجعله سبحانه غاية على السلامة لحياتكم؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل للعباد أجلا على الطاعة، ثم هو سبحانه المتولي في ذلك للعقوبة، فإن شاء عاجلهم بالعقوبة فقطع آجالهم