تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

ومن سورة نوح

صفحة 316 - الجزء 2

  وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ٤٢}⁣[الأنفال: ٤٢].

  ثم أخبر سبحانه بقول نوح # من بعد الإعذار والإنذار إلى قوله، ما كان من الصد منهم عن تذكيره، وقله الالتفاف إلى شيء مما جآء به من ربه، فقال: {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا ٥} ومعنى {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي} هو: إني ناديت قومي إلى ربي، ودعوتهم إلى طاعة خالقي، {لَيْلًا وَنَهَارًا ٥} يقول: دعوتهم في الليل والنهار إليك، {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ٦}، يقول: لم يزدادوا بدعائي ربي وإنذاري ودعائي واحتجاجي عليهم {إِلَّا فِرَارًا ٦} يقول: أعراضا وصدودا واجتراء علي، واستهزءا بي.

  ثم قال صلى الله عليه: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ٧}، يريد بقوله: {كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ}: ليعملوا عملا صالحا تغفر به ذنوبهم، وتتجاوز عن سيئاتهم، {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} يقول: سدوها بأصابعهم وفأدخلوها في آذانهم، لكيلا يسمعوا قولي ودعائي إعراضا منهم عنك، وكفرا منهم سبحانك بك، وبغضا لما أدعوهم إليه، واستثقالا لما أناديهم به {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} يريد: غطوا رؤوسهم بثيابهم وولوا مدبرين، وهذا فعال يفعله كل من كل استثقل شيئا وكرهه، ولم يحب أن يسمعه ولا يعانيه، فكانوا يغطون ورؤسهم ووجوههم لئلا يعرفهم، فيدعوهم إلى ما كان يدعوهم إليه، يحضهم من طاعة الله على ماكان يحضهم عليه، {وَأَصَرُّوا} يريد: أضمروا المعصية وأقاموا على التكذيب، والإصرار على الشيء فهو: