تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة الجن

صفحة 331 - الجزء 2

  الأيام، وذلك أن الله سبحانه صرف اليه نفرا من الجن ليسمعوا ما يتلوه فيؤدوه إلى جميع الجن، ليكون ذلك دعوة منه لهم، وأحتجاجا منه عليهم، وذلك قوله سبحانه: {صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ}⁣[الأحقاف: ٢٩]، فأتوا إلى رسول الله ÷، فلما أن سمعوا ما يتلوا من كتاب الله قالوا ما ذكر الله من هذا القول، والإيمان به والتصديق له، وإلاقرار برسول الله ÷، فقبلوا ذلك بأحسن قبول يكون من القابلين، ثم تولوا إلى قومهم منذرين، ثم كان من إقرارهم على سفهائهم الجاحدين به، بحجج نبيئهم بالكفران، والشطط والعصيان، وذلك قولهم:

  {وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ٤}، ومعني {كَانَ يَقُولُ} أي: لم يزل يقول {سَفِيهُنَا} أي: كافرنا {عَلَى اللَّهِ شَطَطًا ٤} فهو: كذبا وزورا وباطلا، وأمرا جسيما جليلا؛ لأن الشطط في كل معني هو الامر الصعب العظيم.

  {وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ٥}، معنى {ظَنَنَّا} أيقنا، ومعنى: {أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ٥} أي: أن شرار الإنس والجن يقولون على الله الكذب، ولن هاهنا حشو وتزيين للكلام.

  {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ٦}، فهذا إخبار من الله ø عمن كان من الإنس يعوذون بالجن، ومعنى {يَعُوذُونَ} فهو: يلوذون ويستجبرون، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ٦} أي: فزادوهم إثما وبلا ولم ينفعوهم في شي من الاشياء، التي طلبوا منفعتهم فيها، ليزدادوا بفعلهم رهقا، والرهق فهو: ما ذكرنا من الإثم عند الله والضرر، وذلك إن العرب في الجاهلية كانوا إذا نزلوا واديا او فضاء من الارض في مجمعه او سفر، قالوا عند وقت