تفسير سورة المزمل
  وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} مقدم غير أنه أخر إلى ها هنا، وموضعه في أول السورة، معناه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ١ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ٢ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ٣ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ٤} ... {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فها هنا موضع ذكر الأحرف؛ لأنه سبحانه جعل ما جعل من الرخصة في هذه الأوقات لصلاة فريضة الليل من العشاء والعتمة، فسمى هذه الأوقات من الليل لمن كان من المرضى والمسافر والمجاهدين، وكذلك من لم يجد ماء إلى بعض هذه الأوقات، وكذلك المغمى عليه والخائف والمشغول بأمر عظيم من أمر الله، يخشى من تركه بعض الفساد على الإسلام، ويرجو تنفيذه وأثرته نجاحا في صلاح الإسلام، ولا ينبغي لصحيح سوِىِّ سالم مما ذكرنا أن يخلف صلاة العشاء والعتمة عن ناشئة الليل التي ذكر الله فضلها وجعلها وقتا لصلاة أهل السلامة من هذه الأشياء.
  ثم رجع إلى ذكر التيسير عليهم، وترك التعسير في شيء من فروضهم، فقال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فأمرهم بأن يقرأوا ما تيسرمن القرآن لهم، وأن يقيموا ما افترض من صلاتهم عليهم، ومعنى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ}، فهو: أقيموا حدودها وأوقاتها، وأتموا ركوعها وسجودها وما أمر الله سبحانه فيها، من قراءة القرآن، وذكر الرحمن، من تسبيح وتكبير، وتهليل وتوقير، فمن أدى هذه الشروط في الصلوات، فقد أقام ما أمرالله به من حدودها المفروضات، ومعنى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} فهو أدوا الزكاة،