تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المدثر

صفحة 361 - الجزء 2

  الخلق أجمعون بها على الموضع الذين يقصدون، من موضع الحشر إليه الذي إليه يساقون، فيكون قصدهم إلى تلك العلامة التي جعلت لهم.

  وقد يمكن أن تكون هذه العلامة التي سماها الله الناقور، نورأ يسطع في ذلك الموضع ويلمع، فيكون ذلك علامة لموضع الجمع.

  ويمكن أن تكون تلك العلامة أصواتا من دعاة من الملائكة، يدعون الناس إلى ذلك المكان فينتقر الناس موضع الحشر بذلك الدعاء فيقصدونه معا.

  ويمكن أن يكون علامة بالتهليل والتكبير، والتقديس لله والتوقير، يسمعه الخلق أجمعون فيؤمونه كلهم أكتعون.

  فأما قول من يقول: إن الناقور بوق أو شبه البوق، وينفخ فيه ليجمع الناس كلهم إليه، فليس ذلك عندنا بشيء تصححه عقولنا، وليس الناقور - والله أعلم وأحكم - إلا علامة عظيمة، يجعلها الله العلي الأعظم في ذلك اليوم، ولن تكون هذه العلامة إلا بأمر عظيم من صنف بما ذكرنا من بعض ما شرحنا من النور الساطع العظيم اللامع، أو الصوت بالدعاء والتكبير والتهليل والتحميد والتقديس والتمجيد الذي يسمعه كل سامع.

  ثم ذكر سبحانه ذلك اليوم الذي ينقر فيه الناقور، ومعنى ينقر فهو: ينتقر، ومعنى ينتقر فهو: يستدل عليه ويخبر، ألا تسمع كيف تقول العرب لمن استبدل على شيء وعرفه، ووقع عليه وعلمه: انتقر فلان كذا وكذا، أي: عَرَفه واهتدى إليه، ووقع بالفطنة منه عليه، فقال سبحانه: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ٨ فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ ٩}، ومعنى {ذَلِكَ} فهو: كذلك، ومعنى {يَوْمَئِذٍ} فهو: اليوم الذي يكون فيه الناقور، ومعنى {يَوْمٌ عَسِيرٌ ٩} فالعسيرهو: الشديد الذي لا فرح فيه، ولا راحة لديه.