تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسيرسورة القيامة

صفحة 386 - الجزء 2

  عليه وعلى آله إلى أهله مكذبا يتمطى، والتمطي: شيء يفعله الزاهد فيما يلقى إليه، ويؤمربه ويتلى عليه، وهو أمر يدل من فاعله على الإنكسار عما يتلى عليه، والملالة لما يؤمر به، فإذا مَلَّ وضجر من ذلك العمل كائنا ما كان، داخله الزهد فيه والضجر منه، يتمطى لما يداخله من الملالة له، والتمطي فهو: مد اليدين والتلوي، والتلفت بالمنكبين والتثني، ولا يقع هذا إلا بالماَلِّ لما فهو فيه الضجر منه، فأخبر الله سبحانه عن المعرضين عن الله وعن رسوله، الزاهدين فيما يتلى عليهم من كتابه، أنهم بضجرهم وملالتهم وكراهتهم، لما يلقي صلى الله عليه وعلى آله في آذانهم، ينقلبون إلى أهلهم يتمطون من استثقال ما سمعوا منه، من تلاوته كتاب الله وبغضهم له، فدل تمطيهم على ضجرهم وملالتهم وكراهيتهم لذلك من فعله.

  ثم قال سبحانه: {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ٣٤ ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ٣٥}، يقول: كِيدَ لك يا ضَجِراً يتمطى، ويا زهدا في الهدى كيد لك، ومعنى {أَوْلَى} هو: كيد لك، ومعنى كيد لك أي: كاد أخذ ربك أن ينزل بك عند فعلك، وكادت نقمته أن تحل بك عند تعنتك، وكادت بطشة ربك أن تنالك عند تمطيك، وحين إدبارك عن الحق وَتَوَلِّيك، وكذلك تقول العرب إذا رمت أغراضها فقاربت سهامها الغرض، قالت: كادت به، أي: قاربته وقصدته ودانته ولم تصبه بعد، وكذلك إذا طعن الفارس شيئا فداناه ولم يصبه، قالت العرب: كاد به، أي: قاربه وداناه.

  {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ٣٦}، يقول سبحانه: يتوهم الإنسان، ومعنى {يُتْرَكَ} أي: يخلى، {سُدًى ٣٦} أي: مهملا، والمهمل فهو: الذي لا يرعى ولا يحفظ منه مقبل ولا مدبر ولا مذهب ولا مأتى، ولا يحصى عليه شيء من الأشياء،