تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة المرسلات

صفحة 417 - الجزء 2

  استوجبوا بها الثواب الإحسان، من الواحد ذي الجلال والسلطان، فكانوا بذلك محسنين إلى أنفسهم، مطيعين لربهم، فاستوجبوا بطاعة الرحمن ما صاروا إليه من الفوز والنعيم، والخير الكريم، والثواب العام المقيم.

  ثم ذكر ذم المكذبين احتجاجا عليهم، وتوقيفا على جهلهم وتعنتهم، وقطعا بذلك لحجتهم، فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٤٥ كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ ٤٦}، يقول سبحانه: تمتعوا في دنياكم بأكلكم، وتافه لذاتكم، فإن ذلك قليل منقطع لا يتصل بنعيم الآخرة، ولا تذوقون بعد خروجكم من الدنيا نعمة فاخرة؛ لأنكم مجرمون، والمجرم لا آخرة له كما تكون الآخرة مع الدنيا للمؤمنين، وكما تتصل كرامه الدنيا بكرامة الآخرة للمتقين.

  ثم كرر ذم المكذبين فقال: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٤٧} ثم ذكر ما كانوا فيه في الدنيا من كفرهم، وترك قبول ما يؤمرون به من طاعة ربهم، فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ ٤٨} يريد بـ {ارْكَعُوا}: اخشعوا لله واخضعوا، ولا تتجبروا ولا تتكبروا، وأدوا فرضه عليكم، فأراد ø بالركوع ها هنا - والله أعلم - التذلل لله والخضوع، والإقرار بأمره والخشوع، والقبول لما به يأمرهم، والإنتهاء عما عنه ينهاهم، وكذلك قال في أصحاب موسى #: {ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}⁣[النساء: ١٥٤]، يقول سبحانه: خشعا خضعا ذاكرين الله مقدسين، شاكرين على نعمه، ذاكرين له بصنائعه، عارفين بقدرته وجلاله، مقرين بأن النصر الذي رأيتموه من قِبَلِه، وأنكم لم تدخلوا إن دخلتم إلا بتقويته إن أطعتم فقواكم، فلو كانوا فعلوا ما أمروا به، وقالوا ما دلوا عليه من قول الحطة لكانوا قد نصروا نصرا عزيزا، وحطت عنهم لذلك الذنوب المتقدمة ووجبت لهم الكرامة المتأخرة، ولكن خالفوا وأبوا وعتوا، فذاقوا وبال أمرهم إذ