تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة النبأ

صفحة 431 - الجزء 2

  مع زوال الأزمنة، ولا يدوم منه شيء أبدا، ما أكل من لذيذ مأكلها إلا عدم في غير هذا الوقت من الزمان، فيتقلب مع تقلب الأزمنة، فلا يوجد منها ثمرة صيف في شتاء، ولا يوجد ثمرة الشتاء في الصيف أبدا.

  هذا مع تصرم ذلك كله وانقضائه، وخروج أهله منه بالموت وفنائه وترك ما جمعوا من ذلك لغيرهم، وما تكالبوا عليه لورثتهم.

  وكلما ذكر الله سبحانه من قوله: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ٦ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ٧ وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا ٨ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ٩ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا ١٠} ... إلى قوله: {وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا ١٦}، فإنما أراد الله تبارك وتعالى بذكر ما ذكر: احتجاجا على المكذبين بالنباء العظيم، بما جعل من ذلك كله وركب فيه، من الدلائل الدآلة عليه سبحانه، والشاهدات على تصديق النباء العظيم، الذي هم في تصنيف الكذب به مختلفون، فأخبر ، عن أن يحويه قول أو يناله، أن في أقل مما رأوه من جعله، وعاينوا من أثر خلقه، دليل على عظيم قدرته، وصدق وعده ووعيده، وأن الذي عاينوا من أثر صنعه في هذه الأشياء، أعظم في بيان القدرة ومضي الإرادة من نشر الموتى، وما نبأهم به رسول الله ÷ من الأشياء، التي ذكرها في يوم المعاد، وأنذر بها ورغب ورهب جميع العباد.

  ثم قال سبحانه: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا ١٧}، ويوم الفصل فهو: يوم الجزاء والقطع بين العباد، والقضاء بينهم فيما كانوا فيه يختلفون، وبه من النبأ يكذبون، فسمى الله سبحانه ذلك اليوم: يوم الفصل؛ ليفصل الأمور، وتفصيلها فهو: قطع ريبها، وبيان أمرها، وثبوت صحتها، عند من كان جاحدا لها.

  ومعنى قوله: {مِيقَاتًا ١٧} أي: موعدا وعائدا، وغاية ومدى، إليه يوعدون،