تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة النبأ

صفحة 432 - الجزء 2

  وفيه يثابون ويعاقبون، والميقات فهو: الوقت الذي إليه يؤخرالخلق فيما يوعدون، وإليه يجتمعون، وفيه يحصلون، وإليه يجرون.

  وقوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}، يريد بقوله: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ}، أي: أن هذا الميقات واليوم الذي فيه الميعاد، هو يوم ينفخ في الصور، والصور فهو: صُوِرُ الآدميين، فذكر سبحانه أنه ينفخ فيها بعد فنائها وبلائها، روح الحياة بعد الفناء والبلى، فتعود من بعد ذلك صورا أحياء، معتدلة الخلق والبناء، كما كانت عليه من الخلق أولا.

  ومعنى: {يُنْفَخُ} هو: يجعل فيها الحياة، ومعنى يجعل فيها الحياة فهو: ترد إليها الأرواح في الأجساد المبتدأة.

  ألا تسمع كيف يقول سبحانه، فيما أمر به الملائكة $ من السجود له، عند إظهار ما يظهر من قدرته في خلق آدم صلى الله عليه، حين قال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ٢٩}⁣[الحجر: ] قال: نفخت فيه من روحي، يقول جعلت فيه وركبت وسويت وخلقت فيه روحا به تمامه، وبكينونته فيه قوامه، ثم نسبه إليه، لأنه خلقه وفعله، كما قال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ٥٣}⁣[الزمر: ٥٣]، فنسبهم إليه أذ هم فطرته وخلقه، وفعله وأمره، قال الله سبحانه في مريم &: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا}⁣[التحريم: ١٢]، يريد: جعلنا في الرحم ما جعلنا من خلقنا، وخلقنا فيه من غير ذكر ما خلقنا من عبدنا، الذي جعلناه آية لعبادنا، ثم نفخنا في ذلك الخلق روحا، ونفخنا فهو: ركبنا وجعلنا وأدخلنا، وثبتنا فيه روحا به كمال ذلك الخلق المخلوق، وقوام ذلك العبد المجعول.