تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة النبأ

صفحة 433 - الجزء 2

  ثم قال سبحانه: {فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ١٨}، والأفواج فهي: الجماعات الكثيرات الآتيات معا معا، زمرا زمرا، يقول: تأتون إلى الميقات الذي وُقِّتَ لكم، والموضع المحشر الذي جعل لكم محشرا، وموضعا للحسباب وموقفا.

  ثم قال: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ١٩ وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ٢٠}، يخبر تبارك وتعالى عن تقطع السماء وتفتحها، وتقلعها وتمزقها، حتى تكون بعد جودة الإنحباك قِطَعاً وبعد الإستواء أبوابا مفتحة ومزقا، حتى يكون كالمهل السائل بعد العظم والتجسيم الهائل.

  ومعنى قوله سبحانه: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ٢٠}، وتسييرها فهو: نسفها، وإذهابها، والنسف فهو: القلع والإهلاك، والإزالة عما هناك، حتى تعود أمكنتها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، والقاع الصفصف فهو: الموضع الأملس المرن الخالي من كل شيء، الذي لا يستتر منه جانب عن جانب، ولا يتوارى فيه صاحب عن صاحب، والعوج فهو: المتفاوت في الإرتفاع والإنخفاض، والأمت فهو: الإختلاف.

  ثم قال سبحانه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ٢١}، والمرصاد فهو: المرصد، فأراد بقوله: {مِرْصَادًا ٢١} أي: أنهم يرصدون لجهنم، وأنها لهم مرصد، أي: مكانا وموضعا لا معدل لهم عنه، ولا منحرف لهم منه، ولا مصرف ولا مراغ، ولا ملاذ سواها، ولا مساغ غيرها، وفي ذلك ما تقول العرب: مرصد فلان مكان كذا وكذا، تريد: مكانه الذي يرصد فيه.

  ومعنى يرصد هو: ينتظر فيه، حتى يأتيه ويصير إليه، فيصادفه فيه راصده، ويجده فيه طالبه، وهو المكان الذي لا مراغ له عنه، ولا يوجد إلا فيه، فأراد سبحانه