تفسير الإمام الهادي يحيى بن الحسين (ع)،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

تفسير سورة النبأ

صفحة 435 - الجزء 2

  ثم قال سبحانه: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا ٢٤} يريد: لا يجدون فيها فسحة ولا راحة تُبرد عنهم كربهم، ولا تنفس عنهم ألمهم، ولا تكشف عنهم حرارتهم، ولم يرد هاهنا بقوله: {بَرْدًا} وَقْعَ البرد وحسه، وإنما أراد بالبرد تهوين الأمر، لأن العرب تقول: برد عني غمي كذا وكذا، وبرد عني ألم علتي كذا وكذا، يريدون: هون عني وسهل علي، وفرج كربي كذا وكذا، لا أنها تريد بقولها: أنه أصاب القائل لذلك برد أبرد جلده، فهذا معنى ما ذكر الله سبحانه من البرد الذي لا يذوقه أهل جهنم، يريد: أمرا يسهل عليهم عذابهم، ويفرج عنهم كربهم، من أمر يطفي عنهم حر جهنم، وأمر يهون عليهم عظيم الألم.

  والشراب الذي لا يذوقونه فهو: الشراب البارد الهني، الطيب المراء، فذكر الله سبحانه أنهم لا يذوقون من ذلك الصنف شيئا؛ لأنه صنف كرامة، من الله لمن سقاه إياه ونَعَّمه، وأن شرابهم هو الحميم الذي ذكر الله أنه: {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ}⁣[إبراهيم: ١٧]، ألا تسمع كيف يقول تبارك وتعالى: {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ٢٥}، فالحميم فهو: الماء المحمي المسخن، الذي قد منع الأيدي عن مسه، لشدة حموه وحرة، والغساق فهو: الذي قد غلا حتى رمى بِجُبِّه، وتطاير نضحه من جوانب أنائه، فهو: يتطاير من الإناء لشدة الغليان.

  {جَزَاءً وِفَاقًا ٢٦} يقول: جزاء وفقا مثلا بمثل، بالسوأة سوأ، وبالمعصية