تفسير سورة النبأ
  نقمة، وبالمخالفة عذابا، فهذا معنى الوفاق، أي: أنكم عُذبتم بفعلكم، ونُكلتم بجرمكم، ولم تظلموا في شيء من أموركم، وكان ذلك منا جزاء فعلا على فعلكم، ومجازاه على صنعكم، فأذقناكم من عذابنا، ما جعلناه في حكمنها به جزاء لمن عَنَدَ عنا، فكان منا حقا حقا، ولم نسأله لم ونعذبه تجاهلا ولا ظلما، ولا ابتداء ولا غشما، بل كان جزاء بعد الإعذار والإنذار، والإحتجاج والإمهال.
  {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا ٢٧}، يقول سبحانه: لا يأملون محاسبة على فعلهم، ولا يتوهمون مجازاة على صنعهم، ولا يوقنون ما أخبرناهم به من شرهم، ولا يصدقون بشيء مما أنبأنا به من الوعد والوعيد.
  ومعنى {يَرْجُونَ}: يأملون في مخرج الكلم هاهنا هو: لا يخافون ويتقون ويخشون {حِسَابًا ٣٦}، أي: محاسبة منا على ما قدموا، ومجازاة على ما صنعوا.
  ثم قال سبحانه: {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ٢٨}، يقول ﷻ: وكذبوا بما رأوا وأبصروا من الآيات الدآلات علينا، وجحدوا بما بينت لهم حجتنا، المركبة في صدورهم، من العقول المجعولة فيهم، من دلائل الحق، وبراهين الصدق، في ما يرون من الآيات، من عجائب الصنع في الأرضين والسماوات، وغيرهن مما جعل الله من المجعولات، وفطر سبحانه من بدائع المفطورات، اللواتي يشهدن لخالقهن، ويدللن على فاطهرن، وينطقن بربوبيته بنواطق ما فيهن، من أثر صنعه الذي لا يجهله منصف، ولا يدفعه إلا مكابر مخالف، فذكر الله سبحانه، أنهم كذبوا بذلك بعد بيانه، ودفعوه بعد صحته في عقولهم، وثباته في صدورهم، بأبين البيان، وأوضح البرهان.