تفسير سورة النبأ
  وقوله: {كِذَّابًا ٢٨} فمعناها: تكذيبا وملآدة وتعطيلا، ومناكرة وكفرا.
  ثم قال: {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا ٢٩}، ومعنى أحصيناه فهو: علمناه وحفظناه، ومعنى {كِتَابًا ٢٩} أي: محفوظا مثبتا معلوما مبينا.
  وإنما ضرب الله لهم بما ذكر من الكتاب مثلا، إذ كان أبين ما عندهم بيانا واضحا، وأثبته ما كان في الكتاب مكتوبا، وفي الصحف المعروفة موقعا، فذلك عندهم أبين ما يعرفون، وأوضح ما يعلمون، وأحصى ما يحصون فَمَثَّل الله ø بما يكون حفظه لما يكون منهم، وإحصاؤه إياه عليهم، بما هو أفضل الأشياء عندهم، وأبينه بيانا، وأثبته صحة، مما يكتب في الكتب، ويوقع فيها.
  ثم قال سبحانه: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ٣٠}، يقول سبحانه: فذوقوا ما نزل بكم على فعلكم، وما نزل بكم من الجزاء، الوفاق على كفركم.
  وقوله: {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ٣٠} يقول: لن تروا فرحا ولا رخاء، ولن تزدادوا بالمكث الطويل في جهنم إلا عذابا وبلاء؛ لأن عذابهم دايم سرمد، وخلودهم في النار دائم أبدا، ومن كان كذلك لم يزدد بالمكث في جهنم إلا عذابا.
  ثم قال ﷻ، عن أن يحويه قول يناله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ٣١}، والمفاز فهو: موضع الفوز، والفوز فهو: النعيم والخير والسرور، وقرة العين من المآكل والمشارب، والمناظر والمناكح والمطالب.
  ثم فسر سبحانه ذلك المفاز فقال: {حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ٣٢ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ٣٣ وَكَأْسًا دِهَاقًا ٣٤}، والحدائق واحدتها حديقة، والحديقة فهي: الحظيرة، المجتمع فيها جميع الثمار، المأكولات الطيبات والمياه المشروبات.