مصباح الراغب شرح كافية ابن الحاجب،

محمد بن عز الدين المؤيدي (المتوفى: 973 هـ)

[الحرف]

صفحة 369 - الجزء 2

  (وثم مثلها) في اقتضاء الترتيب والتعقيب⁣(⁣١) لكن تعقيبها (بمهلة) تقول: «جاءني زيد ثم عمرو» أي: أتى عمرو عقيب زيد مع مهلة، فيستقرب زمانها بالنظر إلى عظم الأمر، ويستبعد بالنظر إلى طول الزمان، فحيث يستقرب زمانها بالنظر إلى عظم الأمر تستعمل الفاء، وحيث يستبعد تستعمل «ثم» كما جاء في سورة الحج في الآية الأولى بثم لما ذكرنا أن بين الخلقين أربعين يوماً، وفي سورة المؤمنين بالفاء كما قدمنا؛ لعظم قدرة الخالق؛ لأن ما أراده الله تعالى فكأنه قد كان، فاختلف اللفظ باختلاف المعنيين والآيتان في حكم واحد، وقد تجيء لمجرد التعظيم نحو: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٣ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ٤}⁣[التكاثر].

  (وحتى⁣(⁣٢) مثلها) أي: مثل «ثم» في اقتضاء الترتيب والمهلة، لكن زمان مهلة حتى أقل من زمان مهلة ثم فهي واسطة بين الفاء وثم (ومعطوفها) أي: المعطوف بحتى (جزء من متبوعه) وهو المعطوف عليه، وإنما يؤتى بها (لتفيد⁣(⁣٣) قوة) في المعطوف بالنظر إلى المعطوف عليه نحو: «مات الناس حتى الأنبياء أو الملوك» فقوة الأنبياء عظم فضلهم وعلو مرتبتهم عند الله تعالى، وقوة


(١) لا معنى للتعقيب في ثم؛ إذ التعقيب والمهلة متنافيان كما لا يخفى.

(٢) والفرق بين ثم وحتى بعد اشتراكهما في الترتيب مع المهلة من وجهين:

أحدهما: اشتراط كون المعطوف بحتى جزءاً من متبوعه ولا يشترط ذلك في ثم.

وثانيهما: أن المهلة المعتبرة في ثم إنما هي بحسب الخارج نحو: «جاء زيد ثم عمرو» وفي حتى بحسب الذهن، فإن المناسب بحسب الذهن أن يتعلق الموت أولا بغير الأنبياء، ويتعلق بعد التعلق بهم بالأنبياء، وإن كان موت الأنبياء بحسب الخارج في سائر الناس، وهكذا المناسب في الذهن تقدم قدوم ركبان الحاج على رَجَّالتهم وإن كان في بعض الأوقات على عكس ذلك، ومع هذا يصح أن يقال: قدم الحاج حتى المشاة. (جامي).

(٣) في (ب، ج، د): «ليفيد» وفاقاً للجامي وبعض المتون، وخلافاً لما في الرضي والخبيصي، وفي بعض المتون كالأصل ولعله أرجح حيث يرجح ذلك ما سيأتي من قوله بَعْدُ: أو تفيد ضعفاً. تمت تعليق.