سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 105 - الجزء 1

  ما الذي عَمِل ابن آدم غيرَ رمي البذرِ في الترابِ؟ ولكن من شقَّ الأرضَ وفلقَ الحبةَ؟ ومَن أنزلَ الماءَ وساقَه إلى الأرضِ الجُرُز، فأحياها به؟ ومن أخرجَ منها الزرعَ والثمارَ؟! إنه اللهُ الرحيمُ المنانُ القائلُ في محكمِ كتابِه: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ٢٤ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ٢٥ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً ٢٦ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ٢٧ وَعِنَباً وَقَضْباً ٢٨ وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً ٢٩ وَحَدَائِقَ غُلْباً ٣٠ وَفَاكِهَةً وَأَبّاً ٣١} كل ذلك لمن؟! ومن أجلِ مَن؟! {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ٣٢}، سبحانَ اللهَ ما ألطفَه وما أكرَمه، وما أقسى قلبَ ابن آدم! وما أجحدَه بنعمةِ ربِه!

  يبتغي الإنسانُ في الصيف شتاءً ... وإذا جاءَ الشتا أنكرهُ

  فهو لا يرضى بهذا وبذا ... قُتِل الإنسان ما أكفرهُ!

  ألا يستحقُّ هذا الربُّ أن يُشكرَ فلا يُكفَرَ، وأن يُطاعَ فلا يُعصى، وأن يُذْكرَ فلا يُنسى.

  ومن رحمةِ اللهِ أن سخَّرَ لنا البهائمَ والأنعامَ وذلَّلَها لنا نأكلُ من لحومِها، ونركبُ من ظهورِها، ونحملُ عليها متاعنا، ونشربُ من ألبانها {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ٧٩ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ}.

  عبادَ الله: ألا نستحي من اللهِ وهو الذي سخرَ لنا ما في السماءِ والأرضِ، وخلقَ هذا الكونَ من أجلِنا، وأسبغَ علينا نعمَهُ ظاهرةً وباطنةً، وفضَّلنَا على كثيرٍ مِمَّن خَلَقَ، ومَيَّزَه بالعقلِ والمنطقِ، أليس من الواجب أن نرجعَ إليه وأن نخطبَ ودَّه، ونشكرَ فضلَه، ما الذي أعطانا الشيطانُ وماذا خَلَقَ لنا {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ٢٠ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وقال تعالى: {أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لَّا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}