الخطبة الثانية
الخطبة الثانية
  
  الحمدُ للهِ العظيمِ الأعظمِ، العزيزِ الأكرمِ، خالقِ الخلقِ من العدمِ، الذي علَّمَ بالقلمِ، علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلمْ، نحمدُه حمداً كثيراً، ونشكرُه شكراً عظيماً على ما أنعم.
  ونشهد ألّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له شهادةَ معترفٍ خضعَ له خضوعَ مَنْ أنابَ واستسلم.
  ونشهد أن محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه إلى كافَّةِ خلقهِ العربِ والعجمِ، بَلَّغَ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصح للأمةِ، وجاهد في اللهِ، وأرشدَ وعلَّم، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً وبَارَكَ وترحَّم.
  أما بعد:
  عبادَ الله: ما أكثرَ نعمَ اللهِ المسداةَ إلينا، كيف لا واللهُ قد خلق لنا ما في الأرضِ جميعاً، مهّد لنا الأرضَ لنعيشَ عليها، وجعلَ فيها جبالاً أوتاداً، وماءً ثجاجاً، وبحراً أُجاجاً، وجهز الأرض بكلِّ ما يحتاجه هذا العبد فيها، من أنهارٍ وبحارٍ وأشجارٍ، وظِلالٍ ورياحٍ وهواءٍ، وجعل لها سقفاً محفوظاً، وزينَها بالنجومِ، وحفظَها أن تزولَ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}.
  عبادَ الله: الويلُ كلّ الويلِ لمن أكل نعمَ اللهِ وأطاعَ غيره، الويلُ لمن استعانَ بنعمةِ اللهِ على عصيانِه، هذا هو ملكُ اللهِ وهذه هي أرضُ اللهِ، فمن أرادَ غيرَ اللهِ فليطلبْ له رباً سِوى اللهِ، وليبحثْ له عن أرضٍ غيرِ أرضِ اللهِ.
  إن الأدبَ مع اللهِ تعالى يُحَتِّمُ على المسلم أن يُنَزِّهَ لسانَه أن يخوضَ في باطلٍ، وأن ينزه بصرَه أن ينظرَ عورَةً أو ينظر لمُحَرَّمٍ، وأن ينزه سمعَه أن يسترقَ سرّاً أو أن يستكشفَ خبئاً، كما أن على المسلمِ أن يفطمَ بطنَه عن الحرامِ ويقنعها بالطيبِ