الخطبة الثانية
  الميسور، ثم عليه أن يصرفَ وقتَه في مرضاةِ ربِّه، وإيثارِ ما عنده من مثوبةٍ، وألا تستخفه نزواتُ النفسِ الخادعةِ، وعليه أن يشعرَ نفسَه رقابةَ اللهِ، أما إذا فَقَدَ ذلك الشعورَ فإنَّهُ بذلك يكونُ قد أسقطَ صبغة الأدبِ عن وجهِه كما تسقط القشرةُ الخضراءُ عن العودِ الغضِّ فيؤذن ذلك بأن الحياةَ الفاضلةَ قد بدأتْ بالضمورِ والذبولِ، ويوشكُ الحطامُ الباقي أن يكون حَطَباً للنارِ، والسبب في ذلك أن المرء عندما يفقدُ أدبَه مع الله يتدرجُ من سيِّئٍ إلى أسوأ، ويهبطُ من رذيلةٍ إلى أرذل، ولا يزال يهوي حتى يصيرَ في الدركِ الأسفل.
  إن الأدبَ مع اللهِ هو العاصمُ من الدَّنَايا، وهو الداعي لكلِّ الفضائِلِ، ففيما يُروى أنَّ رجلاً ذهب إلى إبراهيمَ بنِ أدهمَ وقال له: يا أبا إسحاقَ إني مسرفٌ على نفسي في ارتكابِ المعاصي فاعرض عليَّ ما يكون لها زاجراً ومستنقذاً، قال: إن قبلت خمسَ خصال وقدرت عليها لم تضرك المعصيةُ ولم توبقك لذة، قال: هات يا أبا إسحاقَ، قال: أما الأولى فإذا أردتَ أن تعصي الله ø فلا تأكلْ من رزقِه، قال: فمن أينَ آكلُ وكُلُّ ما في الأرض من رزقِه؟! قال: يا هذا أفيحسنُ بك أن تأكلَ رزقَه وتعصيَه؟ قال: لا ... هات الثانية: قال وإذا أردتَ أن تعصيَه فلا تسكنْ شيئاً من بلادِه، قال: هذه أعظمُ من الأولى؛ يا هذا إذا كان المشرقُ والمغربُ وما بينهما ملكاً له فأينَ أسكنُ؟! قال يا هذا أفيحسنُ بك أن تأكلَ رزقَه وتسكنَ بلادَه وتعصيه؟ قال: لا ... هات الثالثةَ: قال وإذا أردتَ أن تعصيَه فانظر موضعاً لا يراك فيه فاعصِهِ فيه، قال: يا إبراهيمُ ما هذا؟ وهو يعلمُ السرَّ و أخفى، قال: يا هذا أفيحسنُ بكَ أن تأكلَ رزقَه وتسكنَ بلادَه وتعصيَه وهو يراك ويعلمُ ما تجاهرُ به؟ قال: لا ... هات الرابعةَ، قال: فإذا جاءك ملكُ الموتِ ليقبضَ روحَكَ فقل له أخرني حتى أتوبَ توبةً نصوحاً وأعملَ لله صالحاً، قال: لا يقبلُ مني، قال: يا هذا أفأنتَ إذا لم تقدر أن تدفعَ عنك الموتَ لتتوبَ وتعلم أنه إذا جاءك لم يكن له تأخيرٌ فكيف ترجو الخلاصَ؟ قال: هات الخامسةَ، قال: إذا جاءَك الزبانيةُ يومَ القيامةِ ليأخذوك إلى النارِ فلا تذهبْ معهم، قال: إنهم لا يدعونني ولا يقبلون مني، قال: