سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 112 - الجزء 1

  ليس هذا الدرس يخصُ الأعرابي وحدَه، بل إنه منهجٌ وطريقٌ خطَّهُ رسولُ اللهِ ÷، وبيَّنَ معالِمَه لكلِّ السائرين على دربِ الإسلام، والمقتفين آثارَ رسول الله ÷، وبهذه الكلماتِ المختصرةِ يضع الرسولُ ÷ حجرَ الأساسِ لبناءِ صرحِ الإيمانِ الشامخِ، الذي تنبني عليه العباداتُ والمعاملاتُ.

  إنه توحيدُ اللهِ إنه النورُ الذي يضيءُ الظلمات، وينعش أمواتَ الجهلِ والغفلةِ بالحياة.

  عبادَ الله: إنّ لكل شيء بدايةً، ولكلِّ عملٍ أساسٌ ومقدماتٌ ينبني عليها، وقاعدةٌ ينطلق منها، وعليها تتوقفُ صحةُ النتائجِ ونجاحُها، فكلما كانت المقدماتُ صحيحةً، وصادقةً كانت النتائجُ ناجحةً ومثمرةً، وكلما كانت المقدماتُ والأسسُ باطلةً أو ضعيفةً، كانت النتائجُ فاشلةً وعقيمةً، وكل عمل نشأ على العشوائيةِ وانبنى على الفوضى فمصيرُه الفشلُ والدمار.

  جاءَ رجلٌ إلى النبي ÷ يسأله فقال: أي العملِ أفضلُ يا رسولَ الله؟ قال: «العلمُ باللهِ» فأعادَها عليه ثلاثا، ورسولُ الله يجيبه في كل واحده «العلمُ بالله».

  فقال الرجلُ: يا رسولَ اللهِ: أسالُكَ عن العمل وتجيبني عن العلمِ؟

  فقال ÷: «ويحَكَ؛ إن مع العلمِ ينفعُكَ قليلُ العملِ وكثيرُه، ومع الجهلِ لا ينفعك قليلُ العمل ولا كثيرُه».

  إذن فالعلمُ الذي هو المعرفةُ الحقةُ هو سرُّ النجاحٍ، والجهلُ هو سببُ الفشلِ والضياعِ والهلاكِ، فما بُنِيَ على علمٍ زاد ونما، وما بُنيَ على جهلٍ نقصَ وفنى، فنجاحُ الطبيبِ والمعلمِ والمهندسِ، يعودُ للعلمِ الذي استقاه في مدرستهِ، وللمعرفةِ التي تلقاها في مجالِ عملِه.

  وكلُّ صاحبِ مهنةٍ لا بدَّ أن يكونَ له من العلمِ والمعرفةِ ما يُؤَهِّلُه لأن يعملَ، ولا بدَّ له من أن يملكَ من المعرفةِ ما يُبَصِّرُهُ في مجالِ عملِه ومهنتِه، ومعرفةُ اللهُ تعدُّ من أعظمِ المهنِ وأشرفِها، ولا يعذرُ مَنْ جَهِلَها، بل هي رأسُ العلومِ التي تُبنى عليها الطاعاتُ.