الخطبة الثانية
  إن المعاملةَ مع اللهِ: ليست على سلعةٍ ومبلغٍ من المالِ زهيدٍ، بل إنها معاملةٌ على مستقبلٍ أبديٍّ وحياةٍ سرمديةٍ، معاملةٌ كسبُها إما ربحٌ دائمٌ في جنةٍ ونعيمٍ، وإما خسارةٌ دائمةٌ في نارِ الجحيمِ.
  عبادَ الله: إن المعرفةَ للهِ تعالى لها أثرُها البالغ في الإيمانِ، فكلما زادت المعرفةُ كلما قويت الصلةُ باللهِ وقويَ الإيمانُ، فضعفُ الإيمانِ ناشئٌ عن قلةِ المعرفةِ باللهِ، فكلما قلّت معرفةُ الإنسانِ بربِّه كلما تمادى في الباطلِ وانحرفَ عن الطريق.
  فالمعرفةُ باللهِ تجعلُ صاحبَها قوياً في يقينه، وفي دينه وإيمانِه، قوياً في مبدئِه، وفي صبرِه، وفي كلِّ أمورِ دينه.
  وإذا قلّت المعرفةُ قلّ تعظيمُ المرءِ لربِّه واستهانَ بخالقِه، وأمِنَ مكرَه، وقلَّ رجاءُه فيما عندَه وضعفت ثقتُه بما في يدِه.
  ولذا: ترى أننا نثقُ بما في أيدي الناسِ أكثر من ثقتنا بما عند الله.
  نثق بمواعيدِ البشرِ ونترددُ في مواعيدِ الله، نخافُ من الناسِ أشدَّ من خوفِنا من اللهِ، نستحيي من الخلقِ أشدَّ من حيائِنا من اللهِ، نحبُّ الدنيا، وزينتَها أشدَّ حباً من اللهِ، نستأنسُ بالخلقِ، ونستوحشُ إذا خلونا بالله، اللهم إنا نستغفرُك من سوءِ فعلِنا، ونتوبُ إليك من جهلِنا وإساءتنا، ونسألُكَ حسنَ المعرفةِ بك، وحسنَ الطاعةِ لك، وحسنَ الصبرِ لك.
  اللهم ارزقنا معرفتَك واهدنا سبيلَك وأعنا على ما يُرضيك برحمتِك يا ربَّ العالمين.
  عبادَ الله: أكثروا في هذا اليومِ من الصلاةِ على نبيِّكم الكريمِ القائلِ: «أكثروا عليَّ من الصلاةِ في يومِ الجمعةِ فإنه يومٌ تضاعفُ فيه الأعمال» والقائل: «من صلى عليَّ صلاةً واحدةً صلى اللهُ عليهِ بها عشرَ صلواتٍ ومحى عنه بها عشرَ سيئاتٍ وكتبَ له بها عشرَ حسناتٍ واستبقَ ملكاهُ الموكلانِ به أيهما يبلغُ روحي منه السلام».