الخطبة الثانية
  عقداً، ولا نبرم أمراً إلا بعدَ معرفةِ الطرفِ الذي نتعاملُ معه، والتثبت من حاله، بالرغمِ من حقارةِ تلك المعاملاتِ وبساطتِها.
  فأما إذا كانت تلك المعاملةُ مع اللهِ، وتخصُّ الأمرَ الديني فإننا نبني تلك المعاملةَ على غفلةٍ وجهالةٍ بعبادتنا، وجهلٍ لمعبودِنا، وجهلٍ بكلِّ شيءٍ، وابتداء بأعظم أمر وانتهاء بأمام الصلاة.
  فنجدُ المرءَ الحريصَ على دنياه لا يعقدُ صفقةً مهما كانت ولا يبيعُ سلعةً، ولا يقرضُ درهماً، ولا يأتمنُ أحداً أو يودعُ لديه شيئاً إلا بعدَ معرفتِه، والتثبتِ من حاله والاطمئنانِ على ماله.
  وأما في أمرِ الدينِ فتراه يصلي خلفَ من هبَّ ودبَّ ولا يكلف نفسَه عناءَ السؤالِ عن عدالتِه وحفظِهِ، وصحةِ الصلاة بعده، وكذا زكاته تراه يلقى بها لأول سائل يمدُّ إليه يدَه، ويدفعُها في أيِّ مشروع خيري، ولا يُعنِّي نفسَه مشقةَ السؤالِ عن مصرفِها ومَنْ هُم أهلُها الذين ائتمنهم اللهُ على إيصالها لأهلها.
  وكذا الحالُ في أمرِ الصومِ ترى الصائمَ يعقدُ صومه مع أولِ صائمٍ ويفطرُ على أولِ أذانٍ يسمعُه، ويخرجُ للعيدِ لأول نبأ يسمعُه من الإذاعةِ، ولا يهمه التثبتُ من دين من يقلدُهم ومعرفة عدالتهم وعلمهم.
  بل يُوكِّلُ كلَّ أمورِ دينِه إلى (طيبِ النيةِ)، والتساهلِ في أمرِ الدينِ على قاعدةِ (المتقبّلُ كريمٌ)، نعم إنه كريم، ولكن عملك هذا يعد تجاهلاً لحقه، واستخفافاً بقدره، وهذا التجاهلُ للأمورِ الصغيرة في الدين سببُه يعودُ إلى جهلِه بالمبادئِ الأوليةِ وهو الجهلُ باللهِ العليِّ القديرِ، فلو عرف اللهَ لما تساهلَ في تلك العباداتِ.
  عبادَ الله: يجبُ أن نعيَ بأن معاملتَنا مع اللهِ هي أعظمُ من كلِّ ما نتصورُ وعلينا ألا نتساهلَ في أمرِها.
  إنها ليست معاملةً دنيويةً مع مخلوقٍ في أمرٍ تافهٍ، بل إنها معاملةٌ مع ربٍّ قويٍّ وسلطانٍ قاهرٍ معاملة مدتها العمر.