سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 131 - الجزء 1

  أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} فقد نطقَ موسى # بثلاثِ عباراتٍ بعد أن أفاق من غشيتِه فقَالَ {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} لكل عبارة معناها الأولى: {سُبْحَانَكَ} أنزهك، وأقدسك عن رؤيةِ الأبصارِ، والثانية {تُبْتُ إلَيْكَ} من مقالةِ بني إسرائيلَ واعتقادِهم، والثالثة {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} المصدقين بأنك الظاهرُ للعقولِ الباطنُ للعيونِ، تُدْرِكُ الأبصارَ ولا تُدْرِكُكَ الأبصارُ وأنت اللطيفُ الخبير.

  عبادَ الله: هذه هي قصةُ موسى # مع قومِه في مسألةِ الرؤية حكاها اللهُ في عِدَّةِ سورٍ من القرآنِ الكريمِ، وأبان خطأهم، وكيف عاقبَهم بصيحةٍ أهلكتهم.

  فكيف لعاقلٍ يقرأُ القرآن ويعرف هذه القصةَ ثم يقولُ بقولِ بني إسرائيلَ، ويدَّعي أنه سَيَرَى الله {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}.

  ويقول الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} وقوله: {فَلَا تَضْرِبُوا لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، {فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا ٧٨}، يقرأون هذه الآياتِ ثم يقولون للهِ يدٌ ورجلٌ وعينٌ ووجهٌ وأسنانٌ، تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.

  يقرأون قولَ الله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُؤاً أَحَدٌ} ثم يقولون اللهُ مستوٍ على كرسي وله عرشٌ في السماءِ السابعةِ، ينزل كلَّ ليلةٍ إلى سماءِ الدنيا، تعالى اللهُ عن ذلِك علوًّا كبيرًا، فمن نسب إلى الله أعضاءً وآلاتٍ كبني آدمَ فقد شبهَه وذمَّه، ونَقَّصَ في حقِّه، فكيف يُشَبّه الملكَ الجبارَ بهذا البشرِ الضعيفِ الذي قال عنه تعالى: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} وقوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ}