الخطبة الثانية
  ويقول الرسولُ ÷: «إن هذا العلمَ دينٌ فانظروا عَمَّن تأخذون دينَكم عنه».
  علْمُنا بأوامرِ اللهِ محدودٌ، أوامرٌ ونواهٍ مستقلةٌ، مجردُ كلماتٍ جوفاء، نفهمها على غير معناها، ونفسرُها على حسبِ أهوائنا، اعتمادنا في عبادتنا على فهمٍ خاطئٍ، أو روايةٍ كاذبةٍ، أو قصةٍ غير واقعيةٍ، أو مثلٍ مضروبٍ أخذناه ممن جَهْلُه بالدينِ كجهلِنا به، ولا تسمعُ من أحدِنا قال الله وقال رسولُه، هكذا نشأ التفقهُ في الدينِ لدى الكثيرِ من العوامِّ، ثم نشأ من بعدهم جيلٌ جديدٌ، فطرَه اللهُ على فطرتِه التي فطرَ الناسَ عليها و ترعرعَ في أحضانِ والديه، وعلمه كلٌ منهما مما لديه، فنشأ نشأةً جاهليةً وعلى طريقةٍ منحرفةٍ، كما قال رسول الله ÷: «كل مولودٍ يولدُ على الفطرةِ، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه».
  وعلى هذه الطريقة مضى الناسُ، حتى أضحت أكثرُ العباداتِ والشعائر الروحية أشبه ما تكون بعاداتٍ فطريةٍ، وتقاليدَ عرفيهٍ، كغيرها من العاداتِ، شبَّ عليها الصغارُ وشاب عليها الكبارُ، توارثوها قانعين بها راضين عن أنفسهم بفعلها، غير ملتفتين إلى دليل يقنعهم بها، وبشروط معرفتها وكيفية تأديتها، وما يُبطلُها أو يُفسدُها، تراهم مكتفين بالتقليدِ الأعمى، بلا دليلٍ ولا كتابٍ ولا سراجٍ منيرٍ، لا يسئلون عن أمورِهم عالماً، ولا يلتزمون بتقليدِ محقٍّ، بل تراهم يتعمدون الجهلَ، ويتجنبون العلمَ، وإن علموا تجاهلوا، ويسعوا جادين للبحثِ عما يُبعدهم عن العلمِ والعلماءِ وعن مجالسِهم، ويتعللون أنهم لا يريدون التعلمَ حتى لا يتحملوا حجة العملِ بما عَلِمُوا، عذرٌ أقبحُ من ذنبٍ.
  ألم يعلموا أن تَعلُّمَ ما أوجبَ الله واجبٌ؟ وأن الجهلَ ليس بعذرٍ عندَ الله سبحانه وتعالى، بل يتوجبُ العقابُ على من جهلَ ولم يتعلم، وإذا دعوا إلى ما يصلحُهم جعلوا أصابعَهم في آذانِهم وأصروا واستكبروا استكبارا
  من قلد الآراءَ ضلَّ عن الُهدى ... ومن قَلَّدَ المعصومَ في الدينِ يهتدي