سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 15 - الجزء 1

  {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} لا مكانَ للهزلِ ولا وقتَ للمزاحِ، الأمرُ جدٌّ، والخطبُ جسيمٌ، والوقتُ ضيقٌ، والعمرُ قصيرٌ، العمرُ يَمُرُّ مَرَّ السحابِ، والدقائقُ تنقضي، والساعاتُ تذهبُ، والأيامُ تمرُّ، والأعوامُ تنصرمُ، فإلى متى الغفلةُ والتكاسلُ؟ إلى متى الغرورُ والتخاذلُ؟ متى سنفيقُ؟ متى سنعملُ؟ متى سَنَجِدُّ ونجتهدُ؟

  وجدنا أطفالاً نلعبُ ونلهو، تزوجنا وأنجبنا وصرنا آباءً، توالت الأيامُ دون أن نشعر، ودارت رحى الزمانِ دون أن ننتبهَ، نما الشيبُ في رؤوسنا وخالطَ لِحَانَا، مات آباؤُنا وتغيَّرَ كلُّ شيءٍ مِن حولِنا، تحولتِ الأمورُ، وذهبَ جيلُنا، ونما بعدنا أجيال.

  كلُّ شيءٍ تغيرَ إلا نحنُ لم تُغيرنا تقلباتُ الليالي والأيامِ، ولم تُنبِّهنا توالي السنواتِ والأعوامِ، ولم نتذكر الرحيلَ، ولم تُوْقِفْنا من غفلتنا الأحداثُ التي تمرُّ حوالينا، وأعمارُنا التي تنصرمُ وكأنها حلمٌ في منام.

  نداءاتٌ يترددُ صداها من حوالينا تُنَبِّهُنا، تُوَقِّفُنا، ولكن دون جدوى وبِلا فائدةٍ.

  ناداكَ الشَّعَرُ في عارِضَيكَ: لقد كبرت، انتبه!

  ناداكَ الشيبُ وقد اشتعلَ في رأسِكَ: لقد بلغتَ أشدَّكَ وانتهى شبابُك فلَمْ تُفِق، بل تردُّ هازِئاً: فلان أكبرُ مِني، ثم يُنكر طولَ عمرِه بقوله: أنا ما زلت صغيراً، الشيبُ لا عبرة به، إنما هو وراثةٌ أو لأجلِ مرضٍ في المعدةِ أو قرحةٍ، أو نحوِ ذلك!

  نادَاك الأولادُ مِن حينٍ إلى آخر: يا أبتاه يا عماه، لقد ذهب عُمُرُك، ومضى جيلُك أتى مِن بعدِك جيلٌ، فلم تنتبه!

  ناداك تَجَعُّدُ جسمِك، وتساقطُ أسنانِك: أنت الآن تُنْكَسُ في الخلقِ فاغتنم شبابَكَ قبل هرمِك، وصحتَكَ قبل سقمِك.

  ناداكَ ضعفُ قوتِك، وثِقْلُ سمعِك، وضعفُ بصرك: أنت الآن على حافةِ