سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 16 - الجزء 1

  قبرِكَ انتبه؛ فلم تنتبه {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ}.

  ناداك أحفادُك بِأَعلى أصواتهم: يا جداه أنت قد كبرتَ وعجزتَ وثَقُلَ سمعُكَ سوفَ ترحلُ عنا عن قريب، وأنت لا تنتبه.

  ناداك أهلُك وعشيرتُك قالوا لك: ذهبَ رفاقُك وأصحابُك ومَنْ هم في سِنِّكَ، مات كلُّ من شبيتَ معهم، لم يبقَ أحدٌ منهم، لقد حان وقتُك وأتى دورُك انتبه لنفسِك، استيقظْ من غفلتِك، ولكنْ لا مجيب؛ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ}، {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً}.

  عبادَ الله: إنها الحياةُ تمرُّ على الأخضرِ واليابسِ، تعصفُ بالكبيرِ والصغيرِ {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.هكذا تمرُّ بنا سفينةُ الحياةِ، وهكذا يمضي مشوارُ العمرِ، وهكذا بدأَ التنكيسُ في الخَلْقِ إلى أن يُرَدَّ المرءُ إلى أرذلِ العمرِ لكي لا يعلمَ مِن بعدِ علمٍ شيئاً، هذه هي سُنةُ الحياةِ، وهذا مصيرُ كلِّ مخلوقٍ إذا طالَ به العُمُرُ، فلا مجالَ للمغالطةِ، ولا مكانَ للتهربِ من الحقيقة.

  إنَّ العمرَ قد مضى مِنه ما مضى وذهب وانقضى، وعَظَّمَ اللهُ أجرَ الجميعِ فيما فاتهم من أعمارِهم وما خسرُوه من أوقاتِهم، والفرصِ التي ذهبتْ سُدىً بدونِ فائدةٍ أو عملٍ.

  عبادَ الله: لا بدَّ من محاسبةِ النفسِ، ومراجعةِ الحساباتِ، واسترجاعِ الماضي، وسؤالِ النفسِ أين ذهبَ العمر؟ أين ذهبتْ قوةُ الشبابِ وزهرةُ العمرِ؟ ما الذي حصدناهُ في حياتِنا؟ ما الذي جنيناهُ في سنواتٍ مضتْ وانقضتْ من أعمارِنا؟ هذا ما سيسألُنا عنهُ اللهُ ولا بُدَّ أن نُعِدَّ لهذا السؤالِ جواباً.