الخطبة الأولى
  عبادَ الله: لا يكن بنو إسرائيلَ أحرصَ منا على تعظيمِ يومِهم والتشريفِ لعيدِهم، فاليهودُ مع أنهم قد خرجوا عن طاعةِ الله وتعدوا حدودَه، ولكن ما زالوا متمسكين بيومِ عيدِهم، فلو أن أحدَنا بذلَ ليهوديٍّ الأموالَ وأغراه بالنقودِ على أن يستحلَّ حرمةَ يومِ السبتِ ويخرجَ فيه للعملِ لرفضَ أشدَّ الرفضِ تعظيماً لحرمتِه، مع أن هناك من المسلمين من لا يفرقُ بين يومِ الجمعة وغيرِه بل هناك من يضيق من يومِ الجمعة ويكون أثقلَ عليه من أيِّ يومٍ آخر.
  عبادَ الله: لا يعني هذا أن نجعلَ يومَ الجمعة يومَ عطلةٍ ونومٍ وأن نلزمَ فيه البيوت ونغلقَ على أنفسِنا الأبوابَ لا بل على العكسِ من ذلك فيوم الجمعةِ عندنا يوم عملٍ ويوم جدٍ واجتهادٍ لا في الدنيا بل بالأعمالِ الصالحاتِ والمسابقةِ بالطاعاتِ صلاةٌ وتسبيحٌ، وأذكار وتلاوة قرآن وزيارة للأهل والأرحام وعيادة للمرضى وزيارة للقبور والاعتبار بيوم البعث والنشور ولبس الزينة عند كل مسجد والتبكير لسماع الخطبة مع اجتناب كل مكروه ومحذور هذا هو المشروع الذي دعا إليه ديننا الحنيف، ولكن هناك من ينصبُ العداءَ للدينِ هناك من يحيكُ المؤامراتِ ضدَّ الإسلامِ ويسعى جاهدا لإبعاد الناسِ عن تعاليمِ دينِهم وعن كلِّ ما فيه الخيرُ والثوابُ، بأساليبَ خطيرةٍ وغزوٍ فكري هدّامٍ وبكلِّ الوسائلِ، هناك أعداءٌ عمالٌ للشيطان ينظرون إلى أفضل الأوقاتِ وأعظمِها فضلاً وثوابا عندَ الله فيوفرون فيها كلَّ ما يلهي الناسَ ويبعدَهم عنها فمثلاً شهرُ رمضانَ الذي لا يُنكَرُ فضلُه والذي هو من أعظمِ الأوقاتِ وأفضلِ الشهورِ التي دعا فيها اللهُ عبادَه لملازمةِ المساجد والطاعات فيه تجدُ أنهم قد أعدوا لهذا الشهرِ أشهرَ الحلقاتِ والأفلامِ والبرامجِ الملهياتِ من بعدِ العصرِ وحتى آخر ساعة في الليل وعلى مدار الساعة وكأنهم ينازعون الله في دعوته وينافسونه في جلب الناس.
  الله يدعوهم إلى الجنةِ والمغفرةِ وإلى عمارةِ بيوتِه وهم يدعونهم إلى النوادي والمقاهي ليضيعوا فضيلةَ هذا الشهرِ ويخسروا ساعاتٍ هي أفضلُ من الدنيا وما فيها،