الخطبة الثانية
  المقصرين، يوم تتوفاهم الملائكةُ يضربون وجوهَهم وأدبارَكم وذوقوا عذابَ الحريقِ ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخطَ اللهَ وكرهوا رضوانَه فأحبطَ أعمالَهم.
  عبادَ الله: إن الصلاة لها شأن وأي شأن ولعظمِ شأنها، نرى بأن الله شرعَها وفرضها في السماء دون غيرها من العبادات واحتاجت إلى رحلةٍ تاريخية هي رحلةُ الإسراءِ والمعراج بينما بقية الفروض من صوم وحج وزكاة ونحوها فرضت كلها على وجه الأرض وما ذلك إلا لعظم شأن الصلاة وعلوِّ قدرها ومكانتها. لأنها صلة بين العبد وربه، ولأنها شرح للصدور، ونور في القبور، وبهاء في الحشر والنشور، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لأن الصلاة تسهل العسير، وتذهب القلق والهم والبلاء.
  ليست هذه الأمة هي أول من تهاون بالصلاة بل هنالك من ضيعها من السابقين كما حكى الله ذلك بقوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} أي واد في جهنم.
  فإلى كل من ضَعُفَ عزمُه ووهنت قوتُه وتهاون بعددٍ من الركعاتِ في اليومِ والليلةِ، اعتبروا بمن مضى قبلكم وتأسوا بالسابقين الأوَّابين واقرأوا سيرَهم فقد رُوِي أنَّ زينَ العابدين عليَّ بنِ الحسينِ سلامُ الله عليه كان يصلي في اليومِ والليلةِ ألفَ ركعةٍ حتى اخترمت أنفُه من كثرةِ السجود، وروى الإمامُ الكينعي أن العاملَ الزاهدَ، حاتمَ بنَ منصورٍ صلى بالناس جماعةً زهاء أربعين سنة ما ترك صلاةَ جماعةٍ يعلمها، ولا سجدَ سجدةَ سهوٍ لصلاة مدةِ أربعين سنةً إلا ستَّ مراتٍ، ولا ترك صلاةَ التسبيحِ في ليلٍ ولا نهار، وروي عن سعيدِ بنِ المسيب أنه قال ما فاتني تكبيرةُ الإحرامِ منذ خمسين سنة وما فاتني الصفَ الأولَ مدةَ خمسين سنةً، ورُوي بأنه صلى الفجرَ بوضوءِ العشاءِ خمسين سنة، وكذا روي عن الإمامِ الكاملِ عبدِ الله بن الحسن # أنه صلى الفجر بوضوء العشاء ستين سنة، وهذا يدل على أنهم كانوا يحيون الليلَّ كلَّه ولا ينامون، فهذه نماذجُ عن بعضِ