سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 197 - الجزء 1

  عبادَ الله: إن هذه الحياة كفاح وعمل تعب، ونصب كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} لم يخلقِ اللهُ الحياةَ لمجردِ الأكلِ والشربِ والضحكِ واللعبِ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ١٦ لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ}

  عبدَ الله: أنت هنا في ميدانِ جهادٍ، جهادٍ أعظمَ وأهمَّ من جهادِ السيفِ وضربِ الرقابِ، إنك في جهادٍ قال عنه الرسول ÷ لقوم قدموا من الجهاد وبينهم من يظن بأنه سيرجع إلى المدينة ليرتاحَ من مشقةِ الحربِ فبين لهم الرسول ÷ خطأ ظنهم بقوله: «قدمتم من الجهادِ الأصغرِ إلى الجهادِ الأكبرِ قيل يا رسول الله، وما الجهادُ الأكبرُ قال: جهادُ النفسِ» وعنه ÷: «كُف أذاك عن نفسك ولا تتابع هواها» إنها تريد منك الراحةَ في المأكلِ والمشربِ والملبسِ والمسكنِ، نفسٌ أمارة بالسوء تنظر ما يصلحها وتنسى عاقبة أمرها.

  لا يا عبد الله هذه الحياة جهاد وبذل وعطاء ومن وُجد فيها فلا بد أن يتعب {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}.

  هذا رسول الله ÷ المغفورُ له ما تقدمَ من ذنبِه وما تأخر لم يخلد للراحةِ والنومِ، ولم يتكل على ذلك بل كان يقطعُ جُلَّ ليلِه في الصلاةِ والتهجدِ حتى تورمت قدماه.

  عبدَ الله: لا ينبغي أن نستكثر على اللهِ بعضَ ركعاتٍ هي لنا، وفائدتُها راجعةٌ إلينا، يجب أن نعاهد الله على الوفاء، وأن نُصبِّرَ أنفسَنا وأن نُعودَها على الصلاةِ والطاعةِ ولو بالقوةِ، انظروا إلى مَن حولَكم من أهليكم وإخوانِكم الذين يواظبون على الصلاة ولا يقطعون منها فرضا، ماذا نقص عليهم ماذا خسروا ما الذي فات عليهم، لا شيء أصبحنا سواء والسعيدُ من أحسنَ وقدَّمَ لنفسِه خيرا، وكلُّ تعبٍ مرَّ عليهم نسوه وكأنَّ شيئاً لم يكن، فيا حسرةَ العاصين ويا حسرةَ