سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 208 - الجزء 1

  عبد الله: كأن النبيَّ ÷ يقولُ لك إنه لا يكفي مجردُ نيةِ الإحسانِ فقط، بل لا بد أن تأخذَ بأسبابِ الإحسانِ ووسائلِه فلكي تحسن الذبحَ فلا بد أن تحدّ الشفرةَ وتُرِحَ الذبيحة.

  لا بد في كل عمل تريد الإحسان فيه من أن تراعي الأخذ بالأسباب، فالنية وحدها لا تكفي بل خذ بالأسباب، خذ الوقت المناسب وأختر المكان المناسب، خذ بالأسباب ثم أقدم على الفعل، وفي النصح والإرشاد لا بد من اختيار اللفظ المناسب والكلام المعقول المقنع المؤثر، وكذا اغتنام الزمان والمكان والمناسبة ونحو ذلك، كما قال تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ}.

  إذا خاصمك أحد أو شتمك فرد عليه بالتي هي أحسن {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، قال ÷: «لا تكونوا إمّعة تقولوا: إن أحسنَ الناسُ أحسنا، وإن أساؤوا أسأنا، ولكن وطِّنُوا أنفسَكم على أنه إن أحسنَ الناسُ أن تُحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا».

  ومن المعاني البليغةِ في معنى الإحسانِ مبينا للزوج مبدأ الأخلاق من الزواج بقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.

  فقد ألزم الزوج بأمرين إما أن يبقي زوجته ويعاشرها بالمعروف، أو يفارقها بإحسان، وانظر لقوله: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} فهل بقي في الطلاق إحسان؟ وما معنى أن يُطَلِّق ويحسن في طلاقِه، إن الله يأمر مَن طلق زوجتَه أن يُحسنَ فلا يفشي لها سراً ولا يخدش لها عرضاً، وأن يردها لأهلها معززةً مكرمةً، ويوفيها كلَّ حقوقِها من نفقة وسكن، ومهر وكسوة، وأن يحفظ ما كان بينه وبينها من معروف لقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فإذا لزم كل هذه الأمورِ وجعلَها اللهُ من الإحسان في الطلاق، فكيف يكون الإحسان في الزواج والمعاشرة.